الجمعة العظيمة

 

بسام دعيبس

الرب ملك على خشبة (مز 95) وعلى الصليب اشترانا بدمه (رو 9:5)

 

في هذا اليوم العظيم دعونا نستيقظ من سباتنا العميق، لتقودنا الذكرى الى اورشليم، لنقف وقفة تأمل وخشوع امام المعلق على خشبة الصليب، المكلل بالاشواك، الباسط ذراعيه امام اللانهاية، الناظر من وراء حجاب الموت الى اعماق الحياة

 

اليوم لنصمت بخشوع وهيبة، ولنتأمل ثلاثة رجال فوق ثلاثة صلبان، أحدهم مات والخطية فيه وعليه، والثاني مات والخطية فيه لكن ليست عليه، والثالث مات والخطية عليه لكن ليست فيه.

 

إن هؤلاء الرجال الثلاثة هم: يسوع المصلوب في الوسط، ولصان مصلوبان أحدهم عن يمينه والآخر عن يساره. كان هذان اللصان على نفس المسافة الجسدية من يسوع، لكن أحدهم إقترب روحيا منه، أما الآخر فقرر أن يبقى بعيدا عنه. أحدهم كان يجدّف قائلا إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا. أما الآخر فإنتهره واعترف بخطيته قائلا للرب يسوع: اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس.

 

ثلاثة رجال فوق ثلاثة صلبان. أحدهم مات والخطية فيه وعليه، هذا هو اللص الذي جدّف على الرب يسوع ولم يعترف بخطيئته ولم يطلب الرحمة والمغفرة. مات والخطيئة فيه لأنه أخطأ، والخطيئة عليه لأنه هو وحده يتحمل جرم خطيئته. مات هذا البائس ووقف أمام عرش الله لينال قصاص ما جنته يداه.

 

أما الثاني فمات والخطيئة فيه، لكن ليست عليه، هذا هو اللص الذي نظر للرب يسوع متعجبا كيف يطلب المغفرة لصالبيه، ويحني رأسه بصمت أمام معيّريه. هذا هو اللص التائب، الذي إعترف بخطيئته طالبا الرحمة والمغفرة، مات هذا الرجل وخطيئته ليست عليه. الخطيئة فيه لإنه عمل الخطيئة في حياته، لكن الخطيئة ليست عليه لأنه حان وقت إعترافه وتوبته، حمل الرب يسوع عنه خطاياه كلها. مات هذا الرجل وبحسب وعد الرب يسوع، أخذه معه الى الفردوس. لم يأتي هذا اللص الى دينونة، لأن الرب يسوع قال: كل من يؤمن بالإبن لا يأتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة.

 

أما الثالث، فمات والخطيئة عليه، لكن ليست فيه. إن هذا هو الرب يسوع المسيح، الفادي والمخلّص. الذي قال عنه يوحنا المعمدان: هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم. هو الذي قال عن نفسه: انا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. هو وحده القدوس البار، والذي لم يفعل خطيئة ولا وجد في فمه مكر،لكنه حمل خطايانا على الصليب ليمنحنا الغفران والحياة الأبدية.

 

يقول الكتاب المقدس: كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد الى طريقه، لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجدا الله… فأنا وأنت نشبه هذين اللصين، إذ الخطيئة فينا، لإننا فعلنا الخطية، ولكن هل نتوب كلص اليمين ام نبقى في خطايانا كلص اليسار؟

 

في هذا اليوم العظيم مات يسوع على الصليب من اجلنا نحن البشر، ومن اجل ان يحررنا من الشيطان والخطيئة والناموس وشكليات الشريعة ومن المرض وقساوة القلب والظلم، مات كأبهى صورة للحب الكامل والعطاء الكامل، كما قال يوحنا الحبيب ليس حب اعظم من ان يبذل الانسان نفسه عن احبائه.

 

مات يسوع وسط هذا الجو البشري المظلم، بعدما حاك له الكهنة ورؤساء الشعب والشيوخ الدسائس، ودبروا له التهم. مات بعد ان سلمه يهوذا الاسخريوطي بقبلة بشعة مقابل ثلاثين من الفضة، مات وسط الجموع التي كانت تصرخ مطالبة بصلبه، وهو الذي شفى مرضاهم واخرج منهم الشياطين، مات على الصليب في اورشليم قاتلة الانبياء والمرسلين وهو الذي اراد ان يجمع اولادها كما تجمع الداجة فراخها.

 

مات يسوع على الصليب وكان كل تلاميذه الا يوحنا قد تركوه وهربوا، نعم الاعداء تاّمروا عليه واسلموه للموت والتلاميذ خافوا وتركوه وهربوا، انها ساعة الظلام.

 

امام هذا الجو المظلم، وامام هذا الموت الرهيب على الصليب، ظهرت نفوس بريئة لا بد وان نحييها نحيي القديسة مريم العذراء والقديس يوحنا الحبيب ومريم المجدلية واخت مريم العذراء زوجة كلوبا حيث لم يتخلوا عن يسوع في احرج الاوقات.

 

نحيي يوسف الرامي الذي دخل على بيلاطس بكل جرأة وطلب منه جسد يسوع واخذه وانزله عن الصليب ولفه بكتان خالص ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته بالصخر.

 

نحيي القديس نيقوديموس الفريسي وعضو المجمع الاعلى عند اليهود، وكان قد حضر حاملا مزيجا من العود والمر مقداره مئة درهم واشترك مع يوسف الرامي في تكفين يسوع.

 

نحيي سمعان القيرواني الذي أعان يسوع في حمل الصليب، كما نحيي قائد المئة الروماني الذي شهد عن المسيح وقال في الحقيقة كان هذا ابن الله، كما نحيي لص اليمين الذي طلب التوبة من يسوع فغفر له.

 

نحيي الطبيعة التي اظهرت عدم رضاها على ظلم البشر حيث الشمس اظلمت والارض تزلزلت والقبور تفتحت وحجاب الهيكل انشق.

 

واخيرا امام هذا المائت على الصليب لنتصالح مع الله والقريب، ولنقترب روحيا وبتوبة صادقة من الرب يسوع كما اقترب منه لص اليمين، وان نطلب منه المغفرة، وان يذكرنا في ملكوته.

عن موقع ابونا