اللجنة اللاهوتية العالمية: الشريعة الطبيعية، القاعدة الأخلاقية العالمية

وثيقة جديدة للهيئة

روما، الاثنين 15 يونيو 2009 (Zenit.org)

ما تزال القيم الموضوعية للشريعة الطبيعية أساس أصول أخلاقية عالمية، حسبما جاء في ختام وثيقة أصدرتها مؤخراً اللجنة االاهوتية العالمية.

النص الذي يحمل عنوان "البحث عن أصول أخلاقية عالمية: نظرة جديدة حول الشريعة الطبيعية"، نشر بالإيطالية والفرنسية على صفحة الموقع الإلكتروني الخاص بالكرسي الرسولي.

وقد نشرت لوسيرفاتوري رومانو مقالة حول هذه الوثيقة كتبها البروفسور الدومينيكي الفرنسي سيرج توما بونينو، عضو اللجنة اللاهوتية الدولية.

في هذا النص، تشير اللجنة الموقرة إلى الحاجة إلى توافق حول القيم الأخلاقية الموضوعية والعالمية التي لا بد من تشجيعها بغية تجنب تغيرات الرأي العام وتلاعب الحكومات.

ويوضح الأب بونينو قائلاً: "تستطيع هذه القيم مثلاً أن توفر لحقوق الإنسان قاعدة أكثر متانة من مذهب وضعية القوانين الهش".

ويضيف: "لا بد من أن تبنى هذه الحقوق على ما يحدد الإنسان كإنسان أي على الطبيعة البشرية التي تتحقق في كل شخص مهما كان عرقه أو ثقافته أو ديانته".

تقترح الوثيقة أن الشريعة الطبيعية كأساس الأصول الأخلاقية ما تزال مشروعة في ثقافة ترفع الفرد كمرجع أخير يخلق قيمه الخاصة ويعمل خارج إطار المعايير الأخلاقية الموضوعية، خادماً بذلك إيديولوجية لا تأبه بكرامة الإنسان.

ترغب اللجنة اللاهوتية العالمية المساهمة على هذا النحو في النقاش حول البحث عن أصول أخلاقية شاملة وفي مكافحة الفصل المتزايد بين النظام الأخلاقي من جهة والنظام الاقتصادي والاجتماعي والقانوني والسياسي من جهة أخرى.

وتستنتج الوثيقة أن هذه القطاعات الأخيرة في النشاط البشري تسعى إلى التنمية الذاتية من دون الرجوع المعياري إلى خير أخلاقي موضوعي وشامل.

هنا تشير اللجنة إلى خيارين في الزمن الحالي: إما أن العولمة تتقدم "منظمة نوعاً ما بإطار قانوني إيجابي وغير قادرة على وضع حد للتحكيم وحقوق القوي. وإما أن الإنسان يسيطر على العملية لتوجيهها وفقاً للغايات البشرية".

في هذا الصدد يذكر الخبراء أن عقيدة الشريعة الطبيعية تؤكد على "قدرة الأفراد والجماعات البشرية على ضوء العقل على معرفة التوجهات الأساسية لفعل أخلاقي مطابق لطبيعة الإنسان وعلى التعبير عنه بطريقة معيارية على شكل مبادئ وتوصيات".

تضيف هذه العقيدة: "هذه المبادئ الأساسية والموضوعية والشاملة مدعوة إلى تأسيس وإلهام مجموعة القرارات الأخلاقية والقانونية والسياسية التي تنظم حياة الأفراد والمجتمعات".

ويرد توسيع عقيدة الشريعة الطبيعية كأساس النظام الأخلاقي والسياسي في تعليم الكنيسة الكاثوليكية (1954-1960) وفي الرسالة العامة تألق الحقيقة (40-53).

كذلك أبرز البابا بندكتس السادس عشر الشريعة الطبيعية كإجابة عن النسبوية الأخلاقية ودافع عنها كضمانة للفرد غير قابلة للتصرف.

تستلهم الوثيقة الجديدة للجنة اللاهوتية العالمية من العقيدة التي أعدها القديس توما الأكويني وتشتمل على عناصر جديدة.

ويحذر الأب بونينو قائلاً: "في سبيل اقتراح الشريعة الطبيعية في السياق الحالي، لا بد من تحريرها من العروض الكاريكاتورية التي جعلتها غير مفهومة لدى الكثيرين من معاصرينا، ولا بد من الاستفادة من العناصر المبتكرة الأخيرة للاهوت الأخلاقي الكاثوليكي".

تذكر الوثيقة بوجود إرث أخلاقي مشترك تظهره نقاط التقارب العديدة بين التقاليد الثقافية وديانات العالم.

كما أنها تعارض النظرة العقلانية إلى الشريعة الطبيعية على الرغم من أنها تدافع عن حجمها العقلي وتشير إلى أن "الدعوة الروحية إلى متابعة الخير هي التجربة المؤسسة لكل أصول أخلاقية".

ويشرح الفصل الثاني من الوثيقة أن "الفاعل الخلقي (le sujet moral) يصغي إلى كيانه ويصدر من خلال العقل المتطلبات الأخلاقية التي تحدد الميول الأونطولوجية التي تشكل طبيعته".

ويتناول الفصل التالي الحديث عن القواعد النظرية للشريعة الطبيعية وتبريراتها العقلية كأساس الأخلاق من خلال ارتباطها بماورائيات الخلق.

وفي الفصل الأخير، تشدد اللجنة على "تبدل الآفاق في التعريف عن الشريعة الطبيعية" التي قدمها يسوع المسيح.

ويوضح اللاهوتي: "على ضوء الإيمان، يجد المسيحي في يسوع المسيح العقل الأبدي الذي يسهر على الخليقة والذي قدم نفسه للبشر من خلال تجسده كالشريعة الحية، معيار حياة بشرية مطابقة للشريعة الطبيعية".

ختاماً يقول: "إذاً فإن الشريعة الطبيعية ليست مبطَلة إلا أن إنجازها يتم من خلال شريعة المحبة الجديدة".

من واجب اللجنة اللاهوتية الدولية التي أسسها بولس السادس سنة 1969، مساعدة الكرسي الرسولي وبخاصة مجمع عقيدة الإيمان في البحث في مسائل عقائدية بالغة الأهمية. أما رئيس اللجنة فهو عميد المجمع أي الكاردينال ويليام جوزيف ليفادا حالياً.

تتألف اللجنة كحد أقصى من 30 لاهوتياً يعينهم البابا من مختلف البلدان وفقاً لاقتراح الكاردينال عميد المجمع وبعد استشارة المجالس الأسقفية.