رسالة اليوم العالمي للسياحة

الشعار: السياحة، تكريس الاختلاف

روما، الاثنين 13 يوليو 2009 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الرسالة التي صدرت عن المجلس الحبري لراعوية المهاجرين والمتنقلين بمناسبة اليوم العالمي للسياحة 2009.

"إن شعار اليوم العالمي للسياحة "السياحة، تكريس الاختلاف" الذي اقترحته المنظمة المختصة أي المنظمة العالمية للسياحة يفتح لنا دروب لقاء مع الإنسان في اختلافه وثروته الإناسية.

الاختلاف هو واقع وحقيقة ولكن بندكتس الخامس عشر يذكرنا أنه يشكل أيضاً معطيات إيجابية وخيراً وليس تهديداً أو خطراً حتى أنه يتمنى أن "يقبل الأشخاص ليس فقط بوجود ثقافة الآخر، وإنما يتمنون أيضاً جعلها منبعاً لتنميتهم".

إن تجربة الاختلاف خاصة بالتجربة البشرية لأن تنمية كل فرد تتدرج على مراحل من التنوع تعزز النمو والنضج الشخصي. إنها اكتشاف تدريجي يميزنا عما هو مختلف عنا وذلك بفضل اللقاء مع جميع الأشخاص المحيطين بنا.

في التقييم الإيجابي للاختلاف، نلاحظ تناقضاً: إن استنتجنا من جهة في عصر العولمة هذا أن الثقافات والأديان تتقارب أكثر فأكثر وأن رغبة حقيقية في السلام تنشأ لدى كافة الثقافات، فإننا نشهد من جهة أخرى سوء فهم وأحكاماً مسبقة وخلافات متجذرة تقيم الحواجز وتغذي الانقسامات. إنها خشيتنا من الاختلاف، من المجهول.

لا بد لنا من الالتزام لتبديل التمييز وكره الأجانب والتعصب في الفهم والقبول المتبادل، سالكين دروب الاحترام والتربية والحوار المفتوح والبناء.

في هذه الجهود، تؤدي الكنيسة دوراً مهماً، انطلاقاً من اعتقاد بولس السادس الراسخ في الرسالة العامة “Ecclesiam suam” الذي يقول أنه "يجب أن تتحاور الكنيسة مع العالم الذي تعيش فيه. فتصبح الكنيسة كلمة، تصبح الكنيسة رسالة، وتصبح الكنيسة محادثة". إنه حوار بناء وصادق يجب أن "يتجنب الاستسلام للنسبوية والتوفيقية ويحيا من خلال احترام صادق للآخرين وروح مصالحة وأخوة" ليكون حقيقياً.

من هنا فإن السياحة تشكل فرصة حوار وإصغاء عندما تسمح بالتواصل مع أساليب حياة أخرى وديانات أخرى وأساليب أخرى لرؤية العالم وتاريخه. إنها دعوة إلى عدم الانغلاق على الثقافة الخاصة بنا، وإنما إلى الانفتاح والتعرف إلى طرق تفكير وعيش مختلفة. إذاً لا حاجة للدهشة إن اعتبرت بعض القطاعات المتطرفة والمجموعات الإرهابية ذات الطابع الأصولي أن السياحة خطر وهدف لا بد من القضاء عليه. ستساعد المعرفة المتبادلة – نرجو ذلك بشدة – على بناء مجتمع أكثر عدالة وتضامناً وأخوة.

إن تجربة الإنسان الأولية في الاختلاف تعاش اليوم في العالم الفرضي الكوني وتقدم دوماً للجميع. بفضل هذا الشكل الأول من أشكال "السياحة" الفرضية، يمكن رؤية الاختلاف عن كثب وتقريب المسافات البعيدة. هذه "السياحة" هي العنصر الأول الذي يرسخ التنوع.

ولكن السياحة المتفق عليها كانتقال جسدي هي التي توضح التنوع الطبيعي والبيئي والاجتماعي والثقافي والموروث والديني وتجعلنا نكتشف عملنا معاً والتعاون بين الشعوب ووحدة البشر في التنوع الرائع والمثير لإنجازاتهم.

إلا أن اكتشاف الاختلاف يظهر تناقضات وحدوداً: فإن نمت السياحة في غياب المسؤولية الأخلاقية، يتجسد خطر التماثل والجمال كـ “fascinatio nugacitatis” (Sg 4, 12). وقد يحدث مثلاً أن يتمكن المواطنون الأصليون من إظهار تقاليدهم للسياح بتقديم الاختلاف كسلعة تجارية فقط لمجرد الكسب.

كل ذلك يتطلب مجهوداً من قبل كل من الزائر والمواطن لاعتماد مواقف من الانفتاح والاحترام والتقرب والثقة لكيما ينفتحا على الحوار والتفاهم من خلال الرغبة في لقاء الآخرين واحترامهم في اختلافهم الشخصي والثقافي والديني.

يتأسس الاختلاف في سر الله. والكلمة الخالقة هي مصدر ثروة البشر، بتجرد عن المخلوق على "صورة الله ومثاله". هذه الكلمة البيبلية المؤثرة هي كلمة الاختلاف وهي أساس هوية كل إنسان، لأن الخالق هو أول من تأمل في جمال وحسن ما صنعه (تك 1). إن الله هو أيضاً هذه القدرة الرائعة، ومبدأ وحدة كافة الاختلافات التي تظهر "كموهبة يتجلى الروح فيها لأجل المنفعة" (1 كور 12، 7). من خلال تأمل الاختلاف، يكتشف الإنسان الطابع الإلهي في الطابع البشري. وبالنسبة إلى المؤمن، فإن مجموعة الاختلافات تفتح دروباً نحو عظمة الله اللامتناهية. وكظاهرة ممكنة لتكريس التنوع، يمكن أن تكون السياحة لنا مسيحية ودرباً مفتوحة للعقيدة التأملية.

إن الله يوصي الكنيسة بمهمة تكوين خلق جديد في يسوع المسيح بفضل الروح (أف 1: 9، 10) جامعة فيه كل كنز التنوع البشري الذي حولته الخطيئة إلى انقسامات وصراعات، لكيما يساهم "من خلال روح العنصرة في بناء مجتمع جديد لا تشكل فيه مختلف اللغات والثقافات حواجز لا تقهر، كما حصل بعد بابل، وإنما تسمح من خلال التنوع بخلق أسلوب جديد من التواصل والشركة".

هذه هي الأفكار التي تشجع جهود جميع العاملين في الراعوية الخاصة بالسياحة بخاصة تجاه الأشخاص الذين يعانون بطريقة أو بأخرى من هذه الظاهرة التي تشكل رمزاً من رموز زماننا وتحمل في طياتها جوانب إيجابية كررنا التشديد عليها بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأربعين لصدور دليل Peregrinans in terra.

فليتغلب الروح الإلهي على كافة أشكال كره الأجانب والتمييز والعنصرية وليقرب البعيدين في تأمل وحدة وتنوع عائلة بشرية مباركة من الله. إن الروح هو الذي يجمع في الوحدة والسلام، في التناغم والمعرفة المتبادلة. فيه يكمن النظام والجودة في سبعة أيام الخلق. فليدخل أيضاً في التاريخ البشري المضطرب بفضل السياحة بخاصة.

من الفاتيكان، في 24 يونيو 2009

الرئيس أنطونيو ماريا فيليو

أمين السر أغوستينو ماركيتو