عظة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير 26/07/2009

الديمان، 26 يوليو 2009 (zenit.org).

ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير لدى احتفاله بقداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان.
* * *
ان اعتراف بطرس بالايمان ورواية تجلي يسوع مرتبطان باشارة زمنية في الاناجيل الثلاثة. متى ومرقس يقولان: "بعد ستة ايام، اخذ يسوع معه بطرس ويعقوب ويوحنا وانفرد بهم"، وكتب لوقا: "وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية ايام، مضى يسوع ببطرس ويوحنا ويعقوب". هذا يعني اولا ان هناك رابطا بين الحدثين اللذين لعب فيهما بطرس دورا اساسيا. ويمكننا القول اولا ان الامر يتعلق، في كلتا الحالتين، بألوهة يسوع، الابن، غير انه في الحالتين، يرتبط تجلي مجده بموضوع الالم. ان اوهة يسوع والصليب مترابطان كل الترابط. وهذه الرابطة وحدها تسمح بأن نفهم يسوع جيدا. ان يوحنا عرف ان يعرب عن هذا التداخل بين الصليب والمجد، عندما قال ان الصليب هو "ارتفاع" يسوع، وان "ارتفاعه" لا يمكن ان يتم الا بالصليب. وقد حان الوقت لنفحص عن قرب هذا التأريخ الغريب. هناك تفسيران مختلفان، على انهما لا يتنافيان حتما.

لقد درس جان – ماري فان كانغ اسبروك، بنوع خاص، العلاقة بروزنامة اعياد اليهود. ولفتا انتباهنا الى ان خمسة ايام فقط تفصل بين عيدين يهوديين يقعان في الخريف. هناك اولا عيد يوم كيبور، وهو عيد الغفران الكبير، وبعد ستة ايام، يتم الاحتفال، طوال اسبوع، بعيد الخيام (شوخوت). هذا يعني ان اعتراف بطرس بالايمان يتوافق ويوم الغفران الكبير، وانه من الناحية اللاهوتية يجب تفسيره بالنسبة الى هذا العيد الذي هو اليوم الوحيد من السنة الذي فيه يلفظ فيه الكاهن الاكبر بطريقة احتفالية اسم "يهوه" في قدس أقداس الهيكل. ان اعتراف بطرس بالايمان بيسوع ابن الله الحي يكتسب في هذا لاطار عمقا جديدا. وخلافا لذلك، ان جان دانيالو يذكر، من جهته، تاريخ الانجيليين حصريا في عيد الخيام الذي، على ما رأينا، يدوم ثمانية أيام. وهكذا، ان الاشارات الى الزمن التي أعطاها متى، ومرقس، ولوقا تكون في آخر المطاف متجانسة. ان الستة الى الثمانية أيام تدل اذ ذاك على اسبوع السوكوت، اي عيد الخيام. ان تجلي يسوع يكون قد تم اذن في آخر يوم من هذا العيد الذي كان يشكل في الوقت عينه قمة العيد ومختصره العميق.
ان ما يجمع بين هذين الشرحين، انما هو ان تجلي يسوع له علاقة بعيد الخيم. وسنرى أن هذه العلاقة تظهر في الواقع في النص عينه، وهو يفسح لنا في المجال لنحسن تفهم هذه الحادثة في مجملها. بقطع النظر عما لهذه الروايات من خصائص، فانها تظهر أمرا أساسيا من حياة يسوع، وهو أمر أبرزه يوحنا، على ما رأينا ذلك في الفصل السابق. ان أحداث حياة يسوع الكبرى لها علاقة داخلية بروزنامة الاعياد اليهودية. فهي، يمكن القول، أحداث طقسية يصبح الطقس معها بتذكاراته وانتظاراته واقعا، ويصبح حياة يقود بدوره الى الطقس ومنه يتوق الى ان يصير مجددا حياة.
لدى تحليلنا العلاقات بين تاريخ التجلي وعيد الخيم نرى جيدا، مرة جديدة بوضوح أن كل أعياد اليهود تنطوي على ثلاثة ابعاد. وهي تتأتى عن احتفالات بدين الطبيعة وهي تتحدث اذن عن الخالق والخليقة. وتتحول لاحقا الى ذكريات عمل الله في التاريخ وأخيرا، من هنا الى أعياد الرجاء التي تذهب أمام الرب الآتي، وفيه، يتم عمل الله الخلاصي في التاريخ وهو يصبح في الوقت ذاته مصالحة الخليقة كلها وسنرى كيف أن هذه الابعاد الثلاثة للاعياد تتعمق وتتجدد بتحقيقها في حياة يسوع وآلامه.
أمام شرح التاريخ الطقسي هذا، نجد شرحا آخر دافع عنه باصرار هرتموت غيز. فاعتبر أن الاشارة الى عيد الخيم لا أساس له كافيا من الصحة، أن هذا الشرح يقرأ كل نص بالعودة الى صعود موسى الى جبل سيناء في الفصل 24 من سفر الخروج. وفي الواقع، ان هذا الفصل الذي يروي اختتام الله للعهد مع اسرائيل انما هو مفتاح اساسي لترجمة تاريخ التجلي. ويمكننا ان نقرأ فيه:" وحل الرب على جبل سيناء وغطاه الغمام ستة ايام، وفي اليوم السابع دعا الرب موسى من جوف الغمام ". وان يكون قد قيل في اليوم السابع، خلافا لما جاء في الاناجيل، لا ينال حتما من العلاقة بين الفصل 24 من الخروج وقصة التجلي، ولكن التاريخ انطلاقا من روزنامة الاعياد اليهودية يبدو لي اكثر اقناعا. اما الباقي، فلا شيء حقا، غير عادي في الواقع، ذلك ان ارتباطات نموذجية مختلفة اجتمعت في بعض مراحل حياة يسوع، وهذا ما يظهر بوضوح ان موسى والانبياء على وجه الاجمال يتحدثون جميعا عن يسوع.
ولنأت الآن الى نص التجلي. ويمكننا ان نقرأ فيه ان يسوع اخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وقادهم وحدهم الى جبل عال. ونجد مجددا هؤلاء التلامذة الثلاثة على جبل الزيتون ساعة كان يسوع يجرع آخر كأس مخاوفه. هذا المشهد يخالف مشهد التجلي، غير ان المشهدين مرتبطان كل الترابط. ولا يمكن هنا ان نتجاهل العلاقة بالفصل 24 من سفر الخروج حيث اخذ موسى معه، لدى صعوده، هارون وناداب وأبيهو، وايضا سبعين من شيوخ اسرائيل.
انا نجد هنا مجددا الجبل كمكان قربى من الله، كما كان الامر بالنسبة الى الخطاب على الجبل وفي ليالي الصلاة. ولنجمع ايضا مرة اخرى مختلف جبال حياة يسوع: جبل التجربة، وجبل تبشيره الكبير، وفي النهاية جبل الصعود الذي اعلن الرب عليه، خلافا لما طرحه عليه الشيطان باعطائه السلطان على العالم، بقوله:" اعطيت كل سلطان في السماء وعلى الارض". ولكن في مؤخرة المشهد نرى ايضا يمر سيناء وحوريب وجبل موريا – جبال وحي العهد القديم، وهي في الوقت عينه جبال اذا بحثنا عن تفسير،
هناك اولا في المؤخرة رمزية الجبل العامة: الجبل كمكان ارتفاع، ليس ارتفاعا خارجيا، بل ايضا ارتفاع داخلي، الجبل كتحرر من عبء الحياة اليومية، وكتنشق لهواء الخليقة النقي، الجبل الذي نجمع بنظرة من اعلاه مساحة الخليقة وجمالها، والتي تجعلني استشعر الخالق، وانطلاقا من التاريخ، يضاف الى ذلك اختبار الله الذي يتكلم، واختبار الالم، مع ذروته في ذبيحة اسحق، وفي ذبيحة الحمل، التي تمثل مسبقا الحمل النهائي الذبيح على جبل الجلجلة. وعلى الجبل، تمكن موسى وايليا من قبول وحي الله، وكانا يتحدثان اليه الآن الذي هو اكتشاف الله في ذاته.
ان تجلي السيد المسيح، امام ثلاثة من تلاميذه هم: بطرس ويعقوب ويوحنا، جاء برهانا جديدا على ألوهته. وتراءى له اثنان في المجد هما:موسى وايليا وكانا يتحدثان عن الميتة التي كان مزمعا ان يلقاها في اورشليم. وسمع صوت اذ ذاك من الغمام يقول:" هذا هو ابي الحبيب، فله اسمعوا".
هل الذين يعطلون مسيرة الدولة يسمعون صوت الله الذي هو صوت الضمير الذي يرن في اعماق قلوبهم؟ سؤال على كل المعنيين ان يلقى له جوابا في قرارة نفسه.