الغفرانات والسنة الكهنوتية

بقلم هاني باخوم نائب مدير اكليريكية ام الفادي في لبنان

روما، الثلاثاء 20 أكتوبر 2009 (Zenit.org)

بمناسبة ذكرى مرور 150 عام على انتفال القديس "خوري ارس"، يوحنا ماري فانيه، الى السماء، اعلن قداسة البابا بندكتس السادس عشر بدء السنة الكهنوتية من 19 يونيو 2009 الى 19 يونيو 2010. بهذه المناسبة تمنح الكنيسة عطية ونعمة "الغفرانات" حسب القواعد التي حددها محكمة التوبة الرسولية، في وثيقته "الغفرانات بمناسبة السنة الكهنوتية" بتاريخ 25 ابريل 2009.

في هذه المقالة يهمنا اولاً ان نتعرف على معنى الغفرانات بشكل عام ثم كيفية التمتع بها في هذه السنة الكهنوتية.

1. الغفرانات في تعليم الكنيسة وعقيدتها

الغفرانات هي، اولاً وقبل كل شىء، عقيدة وممارسة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسر التوبة والمصالحة والاعتراف بالخطايا[1].  فمفهوم الغفرانات ينبع من مفهوم الكنيسة الحقيقي للخطيئة وتوابعها واحتياج الانسان الحقيقي للتخلص منها.

فالخطيئة هي واقعة تحرم الانسان من الشركة الالهية، كيف؟ بالخطيئة الانسان يعلن، بالفكر او بالفعل او بالاهمال، تصديقه لخدعة الشيطان ولتعليمه المتواصل. هذا التعليم من جانب الشيطان والذي به يحاول ان يقنع الانسان ان الله لا يحبه، ان الله بالاحرى يحسد الانسان ولا يريده سعيدا، لا يريده ان يحقق ذاته، لذلك الله يمنع الانسان من افعال معينة كي لا يصير مثله الهاً سعيداً. هذا ما يقوله ابليس لحواء (تك 3: 4). وحواء والتي هي رمز لكل انسان تقتنع بكلام ابليس وتصدقه وتشك في حب الله لها، فتأكل من الشجرة. اي ان الاكل من الشجرة والذي هو فعل الخطيئة ما هو الا فعل مادي يجسد خطيئة الانسان الحقيقية والتي هي تصديق كلام المجرب والشك في حب الله الابدي له.

ابليس يستخدم واقع الانسان من محدودية، من الم، من صعوبات، ويفسر هذا الواقع للانسان كدليل على عدم حب الله له او بالاحرى كدليل على عدم وجود الله. عندما يصدق الانسان هذا التفسير يٌعبر عن هذا بطريقة مادية وملموسة وتلك هي الخطيئة التي قد نراها تحت اشكال وصور مختلفة منها ثقيلة او عرضيّة. في النهاية الخطيئة ما هي الا فعل يُظهر يأس الانسان و تصديقه بعدم حب الله له او بعدم وجوده اصلاً.  

فالخطيئة تُظهر وتجسد، وان سمح التعبير، شك الانسان في حب الله. وبهذا الشك او بالاحرى بتمامه عن طريق اي خطيئة ما، يمنع الانسان نفسه ان يرى هذا الحب، يمنع الانسان نفسه ان يرى مجد الله وتدبيره المتواصل له، يمنع الانسان نفسه ان يتواصل بينبوع الحياة، بالله، فيختبر الموت. هذا ما يسمى عقوبة الخطيئة اي الموت. الانسان بخطيئته يفصل نفسه عن الله فيختبر الموت. هذا الموت، اوالعقاب كما ذكرناه هنا، هو ليس عقاب انتقامي من الله للانسان لان الانسان لم يطع الله، بل هو نتيجة حتمية تنبع من نفس طبيعة الخطيئة، من انفصال الانسان عن ينوع الحياة[2].

هذا العقاب او هذا الموت له بعدان: بعد ابدي وهو العقاب الابدي، اي بالخطيئة الثقيلة يحرم الانسان نفسه من الشركة الالهية وباستمراره في الخطيئة يصبح غير اهل للحياة الابدية. البعد الاخر لهذا العقاب او الموت هو "العقاب الزمني" اي كنتيجة للخطيئة وانفصال الانسان عن الله لا ينتج فقط العقاب بعد الموت وفقدان الحياة الابدية لكن ينتج ايضاً تعلقاً مريضاً بكل الخليقة والمخلوقات. اي ان الانسان يختبر هذا العقاب او الموت الزمني في حياته اليومية، في علاقاته مع الاخرين، فقد يرى الأخر وكانه عدو دائم له، وان كان من اقرب الاقارب. فقد يرى كل شىء ضده لمنعه من الحياة السعيدة، يرى الاحداث بطريقة مزيفة، فيخاف، نعم يختبر الخوف. هكذا ايضاً ادم اختبر العقاب الزمني بعد الخطيئة، فعندما سمع صوت الله خاف لانه كان عرياناً (تك 3: 10). اي ان علاقته بنفسه وبمن حوله تغيرت جذرياً بعد الخطيئة.

بالخطيئة اذاً ينفصل الانسان عن الله ويختبر توابع الخطيئة وهما الموت الابدي والموت الزمني.

الله الاب في ابنه يسوع المسيح يكشف عن حبه الازلي للانسان، فمن يؤمن بالمسيح، اي من يتوب عن تصديقه لكلام ابليس وينكره ويرجع لمعرفة حب الله  يتمتع بالغفران الممنوح له بفضل ذبيحة المسيح الابدية.

فبسر التوبة والمصالحة الانسان يتنقى ويتطهر من العقاب الابدي، اي يرجع اهلاً للشركة الالهية والحياة الابدية. لكن يبقى ما اسميناه بالعقاب الزمني والذي يبقى بالرغم من قبول المغفرة واستعادة الشركة الالهية[3].

الغفرانات هي عطية من الله بها يمنح الحرية ويعتق الانسان من هذا العقاب والموت الزمني. بالغفرانات يجعل الله الانسان قادراً ان يرجع الى علاقاته السوية مع الخليقة والمخلوقات. هذه الغفرانات يمنحها الله بواسطة كنيسته المقدسة للمؤمن بعد ان يظهر المؤمن صدق نيته واستعداده لقبولها والا يأخذها باطلاً بلا فاعلية لانه ليس مستعدا ان يحيا بهذه الطريقة الجديدة بعد. لذلك وفي مناسبات كنسية مختلفة تعلن الكنيسة عن امكانية قبول الغفرانات شرط ان يحقق المؤمن بعض الافعال.

هذه الغفرانات قد تكون جزئيه او كاملة، وبها يُعفى التائب جزئياً او كلياً من العقاب الزمني لخطيئته. المؤمن قد يحصل على هذا الغفران لنفسه او من اجل الراقدين، وهنا تظهر الشركة الحقيقية بين الاحياء والاموات[4].

2. الغفرانات في السنة الكهنوتيه

بمناسبة السنة الكهنوتية اعلنت محكمة التوبة الرسولية باسم الكنيسة منح الغفرانات للكهنة ولجميع المؤمنين تحت تعليمات معينة كما سنرى الان:

أ. للكهنة: كي يحصل الكاهن التائب فعلاًعن خطاياه (اي بعد ان نال المغفرة عن خطاياه وحرر من العقاب الابدي) على الغفرانات الكاملة عليه ان :

ـ في اي يوم كان، ان يصلي، على الاقل، صلاة الصباح او الغروب امام القربان المقدس؛

ـ ان يقدم نفسه ويكون مستعدا، على مثال القديس خوري ارس، لخدمة الاسرار بالاخص لسر الاعتراف لمن يرغب.

لكي يُحصلَ عليها من اجل كاهن متوفي فعلى الكاهن الذي يرغب في ذلك  بجانب ما سبق ان يتقدم للاعتراف والاحتفال بالافخارستيا وان يصلي من اجل نيات قداسة البابا.

الكاهن يحصل على الغفرانات الجزئية له او لكاهن متوفي اذا صلى بصلاة معترف بها من الكنيسة نفسها لاجل هذا الهدف بالتحديد، كي يحيا حياته بقداسة ويتمم واجباته بطريقة مقدسة.

ب. للمؤمنين: كي يحصل المؤمن التائب بالفعل عن خطيئته على الغفرانات الكاملة عليه

ـ  المشاركة في القداس الالهي وتقديم اثنائها الصلوات من اجل الكهنة كي يتقدسوا ويصبحوا على مثل قلب يسوع الاقدس والقيام بعمل الخير في نفس اليوم، بعد ان يكون هذا المؤمن قد نال سر الغفران وصلى من اجل نيات قداسة البابا؛

  ـ هذه الافعال على المؤمن ان يتممها في احد الايام التالية: بداية اونهاية السنة الكهنوتية، يوم 4 اغسطس عيد القديس خوري ارس، او اول يوم خميس من كل شهر او احد الايام التي يحددها المطران الابرشي.

 للمؤمنين المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون الخروج من اماكنهم كي يحصلوا على الغفرانات الكاملة عليهم ان:

ـ بعد ان يبعدوا انفسهم عن اي خطيئة وبنية ان يتمموا ما سبق عندما يتاح لهم، يجب عليهم في الايام المذكورة سابقاً ان يصلوا من اجل تقديس الكهنة ويقدموا مرضهم وصعوبات حياتهم بثقة لله تعالى بحماية العذراء مريم.

يستطيع  المؤمنون ان يحصلوا على الغفرانات الجزئية كل مرة يصلون خمسة مرات صلاة "الابانا" و"السلام الملائكي" و"المجد" او اي صلاة اخرى معترف بها من الكنيسة لتلك الغاية من اجل قلب يسوع الاقدس وكي يُحفظ الكهنة في الطهارة والقداسة.

تلك هي الوسائل التي تمنحها الكنيسة لكل كاهن ولكل مؤمن كي يحصل لنفسه او لكاهن متوفي على الغفرانات عن العقابات الزمنية التي نختبرها هنا على هذه الارض او من سبقنا ورقد يختبرها في المطهر.

انه لخبر مفرح لكل من يشعر بهذا العقاب الزمني نتيجة لخطيئته بالرغم انه تاب عنها وغفرت له. ان يتقدم  ويحصل بايمان على الغفرانات المقدسة من الكنيسة الام. انه لخبر مفرح للانفس المطهرية والتي يمكننا الان ان نساعدهم ونقدم لهم هذه الغفرانات علامة على الشركة التي تربطنا بهم  برغم اننا لا نراهم.

فليكن عاما مباركا للجميع.

 

 انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1471.[1]  

[2]  انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1472.

[3] انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1473.

[4] انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1471.