لجنة الرابطات الأوروبية: كلمة بندكتس السادس عشر

القارة الأوروبية استعادت سلامتها ووحدتها

روما، الأربعاء 21 أكتوبر 2009 (Zenit.org)

"هبة الحرية المستعادة" سمحت "للقارة الأوروبية باستعادة سلامتها ووحدتها"، حسبما يذكر بندكتس السادس عشر.

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها بندكتس السادس عشر إلى الرئيس الجديد لوفد لجنة الرابطات الأوروبية لدى الكرسي الرسولي، السيد إيف غازو الذي تم استقباله في الفاتيكان صباح الاثنين الفائت بمناسبة تسليم أوراق اعتماده.

***

سعادة السفير،

يسعدني أن أستقبل سعادتكم وأفوضكم ممثلاً عن لجنة الرابطات الأوروبية لدى الكرسي الرسولي. أكون في غاية الامتنان لكم لو تفضلتم بالتعبير عن تمنياتي القلبية للسيد خوسيه باروسو الذي أعيد انتخابه لرئاسة المفوضية، لشخصه وللتفويض الجديد الذي أوكل إليه ولجميع معاونيه.

هذه السنة، تحيي أوروبا الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. لذا، أردت الترحيب بهذا الحدث بطريقة خاصة من خلال السفر إلى الجمهورية التشيكية. على هذه الأراضي التي كابدت نير إيديولوجية أليمة، تمكنت من تقديم الشكر على هبة الحرية المستعادة التي سمحت للقارة الأوروبية باستعادة سلامتها ووحدتها.

سعادة السفير، قمتم للتو بتعريف واقع الاتحاد الأوروبي كـ "منطقة سلام واستقرار تضم 27 دولة تتشارك القيم الأساسية عينها". إنه تعريف سار. مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يمتلك هذه القيم لكن هذه القيم المشتركة هي التي أدت إلى نشأته وكانت بمثابة قوة الجاذبية التي جذبت إلى محور البلدان المؤسسة مختلف الأمم التي انضمت إليها على مر الزمن. هذه القيم هي ثمرة تاريخ طويل ومتعرج أدت فيه المسيحية دوراً أساسياً لا يمكن لأحد إنكاره. فالكرامة المتساوية لدى جميع البشر، وحرية فعل الإيمان كأساس لكافة الحريات المدنية الأخرى، والسلام كعنصر حاسم في الخير العام، والتنمية الإنسانية – الفكرية، الاجتماعية والاقتصادية – كدعوة إلهية (المحبة في الحقيقة، 16-19) ومعنى التاريخ الناتج عنها تشكل كلها عناصر أساسية في الوحي المسيحي تستمر في تشكيل الحضارة الأوروبية.

عندما تذكر الكنيسة بجذور أوروبا المسيحية، لا تسعى إلى احتلال مكانة متميزة. تريد أن تكون ذاكرة تاريخية من خلال التذكير أولاً بحقيقة – يتم تجاهلها أكثر فأكثر – أي بالإلهام المسيحي لدى الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي. أبعد من ذلك، ترغب أيضاً في أن تقول أن قاعدة القيم ناشئة أساساً عن الإرث المسيحي الذي يستمر اليوم في تنميتها.

هذه القيم المشتركة لا تشكل مجموعة فوضوية أو عشوائية، بل مجموعة متناغمة تنتظم وتترابط تاريخياً انطلاقاً من رؤية أنثروبولوجية واضحة. هل تستطيع أوروبا إهمال المبدأ الأساسي الأصلي لهذه القيم الذي كشف للإنسان كرامته السامية وحقيقة دعوته الشخصية التي تفتحه على كل البشر الذي يدعى معهم إلى بناء عائلة واحدة؟ ألا يعني هذا النسيان التعرض لخطر رؤية هذه القيم العظيمة والرائعة تتضارب أو تتصارع مع بعضها البعض؟ ألا تتعرض هذه القيم إلى الاستغلال من قبل أفراد أو مجموعات ضاغطة للترويج لمصالح خاصة على حساب مشروع جماعي طموح – ينتظره الأوروبيون – ومهتم بالمصلحة العامة لسكان القارة والعالم أجمع؟ هذا الخطر أدركه حالياً عدد من المراقبين المنتمين إلى آفاق متنوعة وعبروا عن شجبهم له. من المهم ألا تسمح أوروبا بتفكك نموذجها الحضاري تدريجياً. ويجب ألا تختنق حماستها الأصلية بالفردية أو المنفعية.

إن موارد أوروبا الفكرية والثقافية والاقتصادية الهائلة مستمرة في حمل الثمار إن حافظت على خصبها المستمد من رؤية سامية للإنسان الذي يشكل أثمن كنز في الإرث الأوروبي. هذا التقليد الإنساني الذي تتعارف عليه تيارات فكرية مختلفة أحياناً، يجعل أوروبا قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية والاستجابة لآمال الشعوب. المقصود هنا أولاً هو السعي وراء التوازن الصحيح والدقيق بين الفعالية الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية، والحفاظ على البيئة، وتقديم الدعم الأساسي والضروري للحياة البشرية منذ الحمل وحتى الموت الطبيعي، وللعائلة المبنية على الزواج بين رجل وامرأة. لن تظهر أوروبا على حقيقتها إلا عند معرفتها كيفية المحافظة على أصالتها التي صنعت عظمتها والتي تقدر على جعلها في المستقبل أحد الفاعلين الأساسيين في تعزيز تنمية الأفراد الشاملة التي تعتبرها الكنيسة الكاثوليكية السبيل الأوحد القادر على معالجة الاختلالات القائمة في عالمنا.

سعادة السفير، لذلك كله يقوم الكرسي الرسولي باحترام وانتباه بمتابعة نشاط المؤسسات الأوروبية التي يتمنى منها أن تقوم من خلال عملها وإبداعها برفع رأس أوروبا التي تعتبر أكثر من قارة بل "موطناً روحياً" (الكلمة إلى السلطات المدنية والهيئة الدبلوماسية، براغ، التي صدرت في نشرة 27 سبتمبر 2009). ترغب الكنيسة في "مرافقة" بناء الاتحاد الأوروبي. لذلك تسمح لنفسها بتذكيره بالقيم المؤسسة والمكونة للمجتمع الأوروبي ليتم تعزيزها لخير الجميع.

فيما تبدأون بخدمتكم لدى الكرسي الرسولي، أتمنى تجديد التعبير عن ارتياحي للعلاقات الممتازة التي تحافظ عليها الرابطات الأوروبية مع الكرسي الرسولي، وأرجو منكم سعادة السفير أن تتقبلوا أفضل تمنياتي بالتوفيق في تأدية مهمتكم النبيلة. كونوا على ثقة بأنكم ستلقون لدى معاوني الترحيب والتفاهم اللذين ستحتاجون إليهما.

أبتهل من كل قلبي حلول البركات السماوية على سعادتكم وعائلتكم ومعاونيكم.

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009

ترجمة وكالة زينيت العالمية