مشـيئة الله (2) القداسة

 بقلم نيران إسكندر

     لو سألتك يا إلهي "ما هي مشيئتك؟" لسمعتك تقول لي من خلال الإنجيل المقدّس بأن مشيئتك هي أن أعرفك كآب سماوي مُحب، إله وديع لا يُعرف من خلال الريح الهوجاء أو الزلازل بل من خلال النسمة العليلة. ففي سفر الملوك الأول من العهد القديم (19: 10-13)، عندما عبرت يا رب بإيليا حين كان في مغارة في الجبل وسمع إيليا لصوت ريح شديدة وحدثت زلزلة ومن بعدها نار ولكنَّ إيليا عرف بأنك لم تكن بالريح أو الزلزلة أو النار، أي أنه لا يُمكن رؤيتك، وكلامك لا يمكن أن يُسمع من خلال الأعمال الهوجاء المتكبِّرة المستقوية التي تشعل نار الدمار، ولكن حين جلس النبي إيليا وسمع صوت منخفض خفيف عَلِم بأنك حاضر فخرج لملاقاتك. أجل إنك وديع وحنون ومُحب كنسمة هواء عليلة تُعيد الطمأنينة الى القلوب المضطربة (الخاطئة).  وهذه الوداعة التي تريدنا أن نتحلّى بها كما تحلّى بها الشاهد الأمين لصفاتك: "إبن الإنسان"؛ "إبنك الحبيب يسوع المسيح"، وطلب منا أن ننظر إليه ونتعلّم منه فنكون نحن أيضاً شهوداً لك. هذه الوداعة التي يتَّصف بها الحمام فإرتأيت أن تُظهر لنا أيضاً الشاهد الثاني ألا وهو روحك القدوس على صورتها.  أما محبتك فما أقدسها وأكملها، محبةً تجلّت بالفداء على الصليب (رسالة القديس يوحنا الأولى) وظهر بها روحك القدوس كنار ملتهبة لا تَحْرِق إنما تَشع الدفء والنور والأمان والنِعم للقلوب المؤمنة؛ نار محبة غيورة على حبيبها الذي تود أن تجعله كاملاً مملوءاً بكل النعم فلا تكِل ولا تحترق فتنطفىء.

 

    مشيئتك أن أعرفك إله متواضع إرتضى أن يتجسّد ويأخذ صورتنا وهو الإله ذات النور الساطع الذي لا يستطيع أحد أن ينظر الى بهائه، ويسكن بيننا ويتألم من أجلنا ليقول لنا بأنه يُحبُّنا كنفسه ويريدنا أن نشاركه مسكنه. ولقد وصل تواضعك ومحبتك لنا الى أقصى الحدود حين إرتضيت أن تنحدر من عرشك الذهبي ويختفي بهائك ليس فقط خلف جسد طفل رضيع فقير مقمّط موضوع في مذود (لوقا 2: 6) وأنت ملك الملوك، بل لتُصلب على صليب العار ولِتشوَّه هيئتُك فيختفي هذا الجمال والضياء خلف جسد ممزق عاري مكسو بصبغة الدم (أشعياء 53: 2-3 و 7)، ولعل هذا كلّه لا يكفي فإرتضيت بكل تواضع أن تهِب ذاتك ولاهوتك مجاناً في قطعة خبز ممزوجة بالخمر لا ضياء لها ولا جمال يبهر مَنْ ينظر إليها فيشتهيها. أجل فعلْتَ كلَّ هذا لأنك أحببتنا ومحبتك لنا هي كمحبة العريس الغيور على عروسه والمضحّي بذاته لها لأجل إسعادها (أشعياء 9: 6-7)، محبة لا تبالي بأي إهانات أو آلام مهما زادت شدة قساوتها. ولعل مغفرتك لمن أساء إليك هي أعظم ثمرة لهذا التواضع (لوقا 23: 34) الذي تريدنا أن نتحلى به فنغفر لِمَن أساء إلينا من كل قلبنا وبذلك نُدعى أبناءً لك (نستحق أن تغفر لنا بمحبتك فندخل ملكوتك يا أيها الإله العادل (متى 18: 21-35)).

 

– 4 –

     مشيئتك يا إلهي أن أعرفك إله قدّوس لا يرضى على الخطيئة وعمل السوء. إله لا يسأل الكثير من خلقه (وهو المُعطي لكافة النِعم) بل يكتفي بالمحبة والطاعة له (أمثال 23: 26 "يا إبني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي") كما هي الحال في السماء من قِبل الملائكة كذلك ينبغي عليها أن تكون على الأرض من قِبل بني البشر (أي يؤدّون لله المجد والهيبة اللائقة به فيطيعون كلامه بمحبة كما يطيع الشعب الملك المحبوب وبذلك يُمَجَّد). إله يعرف بأن المحبة لا تحتاج الى نبوغ ذهني أو صفات مميزة أو غنى فاحش لكي يشعر بها الإنسان، فالجميع يُحس بالمحبة: محبة الفقير تساوي محبة الغني كما أنها متساوية لدى الأصحاء والعليلين وقليلي الفهم أو المتعلِّم. إله أراد أن نشاركه نحن البشر ملكوته السماوي وننعم معه بحياة أبدية، وهذا الملكوت إعتمدت يا إلهي علينا نحن بني البشر لزيادة عدد سكانه (أولاً بالتناسل إذ أن الملائكة وكل من يدخل الجنة من الأموات من بني البشر لا يُزوجون ولا يتزوجون  (مرقس 12: 18-25)، وثانياً بالتبشير بالخلاص الإلهي (لوقا 9: 60)). لقد خلقتنا يا إلهي وكم كانت "العائلة" شيء مهم لك وقدسية رابطة الزوجية من الأمور التي أعطيتها أهمية كبيرة لدرجة أنك شبّهت علاقتك بنا كعلاقة العريس مع عروسه لنحافظ نحن على علاقة قائمة على المحبة والتضحية والأمانة لتُثمر ثماراً صالحة، فأنت العريس وعروسك هم الذين يتحلّون بصفات العروس "المرأة الفاضلة" (أمثال 31: 10-31) أي أتباع السيد يسوع المسيح. مشيئتك أن أسير معك بكل تواضع معترفاً بأخطائي وغافراً للآخرين، وأن أعرف الحق وأكون مُحِقاً وأميناً لِما عرفته، وأعمل أعمال محبة ورحمة مع الجميع.

 

 

 

من كلمات ترنيمة "اليوم كنت راكعاً أصلي":

اليوم كنت راكعاً أصلي       ربي دعاني ثم قال لي

يا ولدي أعطني قلبك          خذه يا خالقي وربي

يا ولدي أعطني قلبك          خذه يا مالكي وحبي