الديانة ليست جوهر الصراع في الشرق الأوسط

مع ذلك فإن شهادة التعايش المسيحي هي مفتاح السلام

روما، الخميس 12 نوفمبر 2009 (Zenit.org)

في سبيل حل مشاكل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا بد من تبديد التوترات السياسية والاجتماعية والسياسية، والتركيز على الجماعات التي تمثل التعايش السلمي الحقيقي في ظل الاختلاف الديني.

هذه هي قناعة جيانلوكا سوليرا، مدير مؤسسة آنا ليند في مصر التي تعمل من أجل الحوار بين ثقافات منطقة المتوسط.

سوليرا الكاثوليكي صاحب الأصول اليهودية القديمة أمضى سنوات عديدة في بروكسل كمستشار سياسي في البرلمان الأوروبي. بعدها سافر إلى الشرق الأوسط في صيف سنة 2004 وبقي سنتين في الأراضي الفلسطينية لدراسة اللغة العربية في جامعة بيرزيت.

روى تجاربه في الكتاب الصادر بعنوان "جدران، دموع" الذي كتب مقدمته رئيس الأساقفة ميشال صباح، بطريرك القدس للاتين المتقاعد.

تحدث سوليرا إلى وكالة زينيت عن بعض المشاكل الأساسية التي تؤثر في الطريق نحو السلام منها "عملية التديين" المرتبطة بإنشاء دولة إسرائيل" و"اللغط الكبير بين الصعيد الثقافي والروحي والعاطفي والصعيد الديني والسياسي والمؤسساتي الذي يفسد إسرائيل من الداخل".

قال الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر سنة 1947 أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع شعبين على أرض واحدة. في هذا الصدد أوضح سوليرا أن مشكلة المستوطنات اليهودية تشكل عائقاً خطيراً أمام المصالحة بين الطرفين.

وأشار إلى وجود "مستوطنين يذهبون إلى هناك خصيصاً للكفاح والتضحية بحياتهم من أجل أرض إسرائيل".

واعتبر أن أسباب هذا الوضع تكمن في ثقافة "ناتجة عن تاريخ اضطهاد اليهود الذي ولد حالة دائمة من التأهب ونوعاً من الهاجس الجماعي".

مع ذلك، قال أن ذلك ليس المعيار وإنما تعبير أقلية. وفي كتابه، يتحدث سوليرا عن جماعات ملتزمة فعلاً بالتكامل والحوار، كجمعية الحاخامات من أجل حقوق الإنسان التي حازت سنة 2006 على جائزة السلام من مؤسسة نيوانو.

بلا حدود

قال سوليرا أنه يجب اعتبار الهوية اليهودية كهوية لا حدود لها.

وأضاف: "إن تم تقليص الهوية اليهودية إلى مسألة حدود، فإنها ستفقد طبيعتها".

من جهة أخرى انتقد المؤلف اللجوء إلى "الهوية الدينية كالمورد الأخير لدعم معارك الحركة القومية، في منطق يأخذ الله أسيراً".

مع ذلك، "يجب ألا نسعى إلى إيضاح المسألة الفلسطينية الإسرائيلية في السياسة أو الإعلام كتصادم الحضارات".

هذا ما وصفه سوليرا بـ "الخطأ السياسي والثقافي الفادح في الغرب الذي يخلق ظروف انعدام الاستقرار ويولد التوترات في مجتمعنا".

وأسف قائلاً: "قد تكون تداعياته مدمرة لنا أيضاً ولعلاقاتنا مع العالم العربي، ولاستقرار جماعاتنا في الغرب. وهكذا نوسع فجوة الخلاف بين شاطئي المتوسط".

"إن الفوارق في مجالات التنمية والديمقراطية والاعتراف بحقوق الإنسان والكرامة التي قد تكون قائمة بين العالم العربي والغرب تشكل عنصر انعدام استقرار أكثر من سوء التفاهم بين الإسلام والمسيحية".

"أعتقد أن سياسة الحوار بين الثقافات لا تؤدي إلى نتيجة ما لم تعالج التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

واعتبر سوليرا أن "اللجوء إلى الهوية الثقافية والدينية يشكل حصيلة ثانية للعجز عن معالجة هذه المسائل الأساسية".

"لذا، ينبغي علينا أن نفكك قنابل الاختلاف" لأنها تشكل "الأرض الخصبة التي يتجذر فيها التعصب وينمو فيها".

صانعو السلام

في هذا السياق، يؤدي المسيحيون دوراً أساسياً "مظهرين إمكانية وجود تعايش على الرغم من الاختلاف الديني والثقافي"، بحسب المؤلف.

وأشار إلى الطيبة – افرايم سابقاً – التي لجأ إليها المسيح مع تلاميذه. هناك توجد جماعة حية فتحت مدارسها للأولاد المسلمين من القرى المجاورة.

كما توجد هناك رعايا كاثوليكية وداراً للعجزة ومركز إعادة تأهيل للمعوقين من الأراضي الفلسطينية وخارجها.

وقال سوليرا: "من الضروري الدفاع عن الجماعات التي تعيش ضمن تعايش سلمي. لا بد من الدفاع عنها من خلال رحلات الحج والزيارات والتوأمة بين الرعايا، ومن خلال العمل العميق بين المؤمنين في الجماعة. ويجب أن يظهر المسيحيون أنهم رسل الأخوة بعيداً عن المنفعة السياسية".