دير رؤية القديس بولس الرسول

بقلم ماجد ككي

majidkakki@yahoo.com

 

على تلّة تدعى بتلّة كوكب وفي منطقة داريّا على مشارف مدينة دمشق إلى الجنوب الغربي منها،في هذه المنطقة تغيّر كل شيء بالنسبة لشخص كان يدعى شاول. هذا الذي ولد حوالي في السنة الثامنة بعد الميلاد في طرسوس بتركيا اليوم. منحدراً من عائلة يهوديّة من سبط بنيامين، فريّسيّة محافظة غيورة على شريعة الربّ و دعي باسم عبري (شاول) الذي معناه (مكّرس لله) أنتمى مثل والده ومعلمه جمليئيل إلى حزب الفريّسيّين، وراح يتثقّف تثقيفاً دقيقاً، متعصبا للّه و لشريعته، سائراً بكلّ وصايا الربّ وفرائضه سيرة مثاليّة، ومن غيرته الفريّسيّة المفرطة على شريعة موسى، أضطهد المسيحيّين وبعنف، بحيث ضاع صيته في أورشليم واليهوديّة كلها.. وبدل أن تكون الشريعة دليل له يقوده إلى المسيح راح يضطهد المسيحيّين باسم الشريعة وتحت لوائها. وورد أول ذكر لاسمه في العهد الجديد لدى رجم القديس أسطفانوس بكر شهداء المسيحية (خلع الشهود ثيابهم لدى شاب أسمه شاول) حبس بولس بيده في السجون الكثير من المسيحيّين، وكان موافقاً لمّا أقترع على قتلهم، وكثيراً ما عذّبهم منتقلاً من مجمع إلى آخر ليحملهم على التجديف، وبلغ منه سخطه وكرهه لهم كثيراً حتى أخذ يطاردهم أينما ذكروا فيه.

وهكذا ترأس فرقة وأتجه من أورشليم وبتفويض وتوكيل من عظماء الكهنة، وأتجه بها إلى دمشق حيث كان يزداد عدد المؤمنين بالمسيح الربّ فيها لكي يقوم هناك بمطاردتهم وثنيّهم عن هذا الدين وسوقهم موثقين ومقيدين بالأصفاد والسلاسل إلى أورشليم. وكان ذلك في سنة 36، ظهر له المسيح له المجد وغمره بنعمة قلبت حياته رأساً على عقب وأصبح على إثرها إلى أعظم مبشر بالمسيح لا في اليهودية فقط ولكن في كل أرجاء الأرض، ولذلك كانت رحلاته المشهورة والعديدة مبشرا فيها بالمسيح وهو صاحب القول المشهور: الويل لي أن لم أبشِّر (فرأى على الطريق إلى دمشق، عند الظهر نوراً من السماء يفوق الشمس بإشعاعه قد سطع حوله. فقال: لي الأرض، وسمع صوتاً يقول له): شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا رب؟ قال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده ،يصعب عليك أن ترفس المهماز. فأنهض وقم على قدميك. وادخل المدينة، فيقال لك ما يجب عليك أن تفعل.وأمّا رفقاؤه فوقفوا مبهوتين يسمعون الصوت ولا يرون أحداً.فنهض بولس عن الأرض وهو لا يبصر شيئاً، مع أنّ عينيه كانتا منفتحتين، فاقتادوه بيده ودخلوا به دمشق. فلبث ثلاثة أيّام مكفوف البصر لا يأكل ولا يشرب.

نعود للمكان الذي حدثت فيه هذه الحادثة حسب ما عرفنا وما قاله لنا أناس من المنطقة التقينا بهم هناك بأنه قد تكون سمّيت بـ (تلّة كوكب) أشارة إلى النور الساطع الذي ظهر للقديس بولس، وكذلك سميّت المنطقة بـ(داريّا) أي دار الرؤية أشارة إلى رؤيّة القديس بولس للمسيح له المجد هنا.

لقد حفظ المكان في ذاكرة الموروث الشعبي فشادوا هنا ديراً على اسم القديس بولس. لم يبقى منه سوى رسوم دارسة ومندثرة وبعض الحجارة المنحوتة وتيجان أعمدة كورنثسية وخرزة بئر لجمع المياه مع قساطل فخارية.

وجود الدير في هذا المكان، كوكب، أثبتته شهادات من القرون الوسطى، من زمن الصليبيّين، مثل جاك فيتري في كتاب (تاريخ القدس)، وتيفينو في كتاب (رحلة إلى بلاد الشرق) الجزء الثاني، وبوكوك في (وصف الشرق)، وبورتر في كتابه المشهور (خمس سنوات بدمشق)، وكيدان في (وصف فلسطين والجليل) الجزء الثاني، وجالابر الذي يذكر أن أكثر الإدلاء يؤكدون أن كوكب هي مكان رؤية القديس بولس.

وكذلك جاء ذكره في الجزء السادس للكتاب (خطط الشام) للعلاّمة محمد كرد علي، وجاء ذكره كذلك في الجزء الثاني من كتاب (الريف السوري) للمدقق السوري وصفي زكريا في حديثه عن (خربة كوكب).

أمّا اليوم فقد تم بناء كنيسة الدير وفق طراز معماري مميّز، حلزوني الشكل، مهيبة جميلة تحاكي عملية الرؤيا، صغيرة مزينة بالداخل بمجموعة رائعة من الإيقونات الرائعة التي تمثل أحداثاً وشخصيات من الرسل والقديسيّين.

وهي ما تزال شاهدة على قدسيّة المكان وهيبته.

بالإضافة إلى الكنيسة هناك مجموعة من الأبنية لإدارة وخدمة الموقع وساحات ممهدة وحدائق جميلة بالإضافة إلى مسرح جميل ورائع مفتوح. وتمثال رائع من البرونز يمثل القديس بولس ينتصب في مكان بارز قام بتصميمه وتنفيذه نحات روسي.

كلّ هذا مسيج بسياج، وتدخل إلى الموقع من خلال بوابّة جميلة وأنيقة.

بمناسبة سنة مار بولس الرسول أحتضن هذا المكان قبل أشهر تجمعاً احتفاليا كبيرًا حضره أكثر القادة الروحيّين لمختلف الطوائف والأديان وعدد من السفراء والسادة المسؤوليين الرسميّين وجمهور كبير من الشعب.

بلفتة كريمة من صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس هزيم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، واهتماما منه بهذا المكان المقدّس وبأهمية أحياء هذا الدير من جديد شكّل وكلف لجنة لتدبير أعمال الدير وتطويره. وبمشيئة اللّه ومساعدة المؤمنين الروحية والمعنوية والمادية، وتستمر هذه اللجنة بأعمالها من أجل بث الروح في هذا المكان المقدّس، وإحياء هذا الدير.

الذي يحتضن العديد من النشاطات الروحية والدينية والترفيهية.