يارب زدنـا إيمـانـاً

يحتوى هذا الكتيب على جزء من التأملات التى أعدّها الوالد والعم البار اسحق يعقوب شحاتة والذى رحل عن عالمنا فى 9 فبراير 1995 وتم نشر بعضها فى مجلات الكنيسة القبطية الكاثوليكية وأردت أن أعمم فائدتهـا للجميع.

إعداد وتجميع

الإيبوذياكون

نبيل حليم يعقوب

 

لوس انجلوس فى ديسمبر 2009

 الفهرس

1. يارب زدنـا إيمانا

2. يد اللـه

3.  عصـا التأديب

4. عيد الخلود

5. أدّ حساب وكالتك

5. امسيحي أنت إسما وفعلا؟

6. سر التمتع بالله ورفقته الدائمة

7. الـمحبـّة

8. الـمثل الأعلى

9. الأسرة المسيحية

10. لا تشاكلوا هذا الدهـر

11. صلاة خاصة

 

 

يارب زدنـا إيـمانـاً[1]

 

أني أؤمن..أؤمن لا بالدولار الذى فى حافظتي، ولا بالقدرة التى فى يدي، ولا بالمعرفة التى فى رأسي، ولا بالناس الذين حولي.

لكنني أؤمن بذاك الذى أحبني وأسلم نفسه لأحلي..

أؤمن بالذى أعطاني جسده مأكلاً ودمه مشرباً..

أؤمن بالذى قال: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟(متى26:16)

أؤمن بالذى أحبنا أولا فتألم وصُلب وقُبر ثم قام كاسراً شوكة الموت…

انه بالنسبة لكياني الطمأنينة اكثر من الدولار

انه بالنسبة لكياني الإقتدار أكثر من عضلاتي

انه بالنسبة لكياني الإدراك و التمييز أكثر من معرفتي

انه بالنسبة لكياني الأمان والتمييز أكثر من كل أي إنسان حولي.

عرفته فعرفت نعمة الحياة الجديدة

لمسته فعرفت قوة الله فى كيان البشر

تبعته فعرفت مجالات وآفاق تتسامى فوق تعاليم البشر

أحببته فعرفت المحبة المقتدرة فى غناها وهى تجرف الكراهية والمرارة والحسد

والمذمّـة.

وصار الوجود جميلاً بإشراقه وصارت الحياة لها طعم بحضوره وصار لي معنى وغاية وأهدافاُ.

هل كل هذا بسبب ضعفي وعجزي وإحتياجي؟ نعم ولا

نعم فأنا ضعيف وعاجز ومحتاج، ولا لأني قوي ولي قدرات ولي غِنى.

نعم لأنى أرى مثاله واعرف نفسي، ولا لأنني فعلت ما لا يفعله الأقوياء حينما أحنيت أنانيتي وجشعي وبوهيميتي وكبريائي لسلطان حبه…ما أكثر أن يعز هذا على غيري!!

هل عندك إيمان؟ أيمكن أن يزيد؟

هل امتحنت إيمانك يوما ما؟

فى وقت يُنادى فيه كل شيئ بالزيادة، فتسمع صياح وطبول الزيادة فى كل زاوية من زوايا هذه الدنيا، يتساءل الإنسان منا عن دنيا الحياة الروحية وهل تلزمها زيادة؟

وعندما تبصر صفوف الناس وتهافتهم بطوابيرهم أمام صنوف السلع والماديات فهنا يحاول ان يتطلع الى أبواب الحياة الأسمى والأفضل لعله يجد بعض من هذه الطوابير.

وفى يقيني أن الجواب الوحيد على سلطان المادة وعلى تبعات الحياة المتزايدة

وعلى وفرة ما ينبغي أن نتممه كأولاد الله فى هذا العالم هو تقوية وزيادة

الإيمان.

هكذا أحس الرسل عندما وضّح لهم الرب يسوع مطالب الحياة المسيحية فى غفرانها وفى سموها وفى تبعاتها، واكتشف الرسل انه ما اصعب هذه الحياة وما أعجزهم عن مقابلتها محققين انتظار المسيح فيهم فقالوا للرب"زد إيماننـا".

زد ايماننا لنستطيع أن نرى الله وسط ظروف الحياة كلها فتطمئن نفوسنا وتتقوّ عزائمنا. لقد عاش نوح وسط جيل مستهزئ وفى انتظار دينونة العالم فى شكل طوفان ولم يتزعزع فكان يرى الله من لا يُرى.

زد ايماننا لنبلغ قمة الحياة المسيحية فى غفرانها، فالغفران شيئ صعب لأنه إلهي وليس بشري وقد صعّبه المسيح مضاعفا عندما جعله مستندا الى مثاله " بل الى سبعين سبع مرات".

يوجد نوع من البشر ميّت ليس فيه عناصر الحياة، يتعثر ويتعفّن ويضمحل ويطير. ويوجد نوع آخر فيه حياة يمكن ان ينمو كحبّة الخردل لكي يصير أضخم وأعظم الأشجار. هذا هو الإيمان الحي القائم على الإختبار بالعلاقة مع الله، فلن يهتز أمام العالم بل يثبت ويشهد ويزداد ويُقال فيه"هذه الغلبة التى تغلب العالم..إيماننا".

فالإيمان موهبة ونعمة لمن يسعى اليها ويطلبها من واهب العطايا بعزم وقصد

صالح، لأن عطية الله قادرة على الدوام. راجع نفسك وامتحن ايمانك، هل هو إيمان أقام قواك الكامنة لتجاهد وتسعى ولتكّمل إنتظار الله فيك ولتستيقظ كإبن للـه؟

هل أدركت مدى اقتدار إيمانك وهو يجاهد أمام تيارات الشك والإلحاد والمادية والحيوانية؟ اسأل نفسك: أي إيمان عندي؟

أهو إيمان قائم على معرفة بحقائق مختلفة فى كتاب الله وتعاليم الكنيسة الجامعة؟ أم هو إيمان قائم على إختبار لشخص الله فى حياتي؟

أهو إيمان يتوقف على ساعات الصلاة والتعبد والإشتراك فى الذبيحة الإلهية او فى حضور اجتماعات الأنشطة الدينية والكنسية هنا وهناك؟، أم هو إيمان يصوغ الحياة فى كل ساعاتها وظروفها وملابساتها يربطك بشخص السيد المسيح فى النصر والهزيمة، فى الفرح وفى الدموع، فى الراحة وفى العذاب، فى النور وفى الخفاء، فأي ايمان عندك؟

هل هو إيمان راسخ لا يتزعزع عندما تتغير الظروف والأحوال؟ أم هو إيمان يمكن ان يفارقك وقت الشدة والأزمات؟ هل هو إيمان قادر ان يُخضع جسدك ويقمعه ليكون جديرا ونافعاً لعمل السيد له المجد ولسكناه فى قلبك؟ هل العين مقدسة واللسان مُلجم والفكر مستأثر لطاعته والإذعان اليه وهل

اليدان والقدمان مؤتمرة بأمره تعالى؟

هل هو إيمان يصنع المعجزات؟ ليس لديه شيئ صعب ولا وصيّة ثقيلة فكل شيئ مستطاع لديه. يردد مع بولس الرسول "أستطيع كل شيئ فى المسيح الذى يقويني".

هل هو إيمان يقبل من الله كل شيئ؟ لا تذمر، لا أنين، لا قلق، لا خوف، فكل الأشياء تعمل معا للخير من أجلك-المرّ والحلو، الضيقات والتجارب، الجارح والشافي للجراح- تماما كما كتب احدهم على حائط مخبأ فى روما"أؤمن بالشمس ولو لم تُشرق، أؤمن بالمحبة ولو لم أحسّ بها، أؤمن بالله ولو كان صامتاً".

هل هو ايمان لا تعثره المادة، لا يرتبط بعجلتها، ولا يساير غرورها، فإنه يقف مع ايليا على جبل الكرمل وحده أمام الملك وأمام أنبياء البعل، ولا يتراجع، انه يحمل صاحبه فوق كل ما تبصره العين ليتحدث كأقوال الله.

فتأمل وإمتحن إيمانك هل يقتدر وإلاّ فهو إيمان غريب ليس من الله واعلن ايمانك بالقول والعمل.

إني أؤمن بك يا سيدي ولو عزّت صفوف الثقة فى أي شيئ وفى أي إنسان. إني أؤمن بك يا سيدي ولو حملت من اجل إيماني صنوف الهزء والإستهفاف والمذّمة. إني أؤمن بك يا سيدي وأتطلع الى أن تزيد إيماني وتثبّتني إلى أن نلتقي فى المجد. يارب زدنـي إيمـاناً".

يد الله[2]

يد الله عظيمة جداً، يد حنون، يد قادرة، يد محبة ويد حافظة.

+ يد عظيمة جداً

حملتني من المهد الى الآن فى دروب الحياة كلها أحسست بها وعندما عبرت براً او بحراً او جوّاً، أيقنت انها تسع كل خًُطاي كالأذرع الأبدية التى تسندني.

+ يد حنون

أحاطتني وسط تجارب الحياة المتنوعة فإذا بها تسند النفس المنحنية وتمسح الدمع المنسكبة وتضمد الجروح المؤلمة وتطيّب آثار السهام المسمومة، فأكررعلى مر الأيام"إسندني فأخلص".

+ يد قادرة

لا يخرج شيئ عن مدارها أو سلطانها فكل شيئ يفيض منها ويرتبط بها ويخضع لها، لذلك صارت كل الأشياء تعمل معاً للخير من أجلي، لذلك لا أخاف المرّ لأنه يصير حلواً ولا أرهب الآكل لأنه يصير لي أُكلاً.

+ يد محبّة

فاقت محبتها كل قياس، رضيتْ بالثقب من أجلي لتكتب إسمي فى سفر الحياة بدم المحبة المسفوك على عود الصليب؟، إنني أبصرها فتستر كل خطاياي وتمحو كل آثامي فأمتلئ يقينا ان " لا شيئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع".

+ يد حافظة

أمْسكتني فعرفتُ الأمان والطمأنينة والسلام الذى يفوق كل عقل …ويعرفه العالم…ادركت فى غِنى واختبار معنى القول:" لا يخطفها أحد من يدي"

تلك هى يد الهي كما عرفتها واختبرتها، تلك هى اليد التى أعيش عليها وأعيش فيها. تعبر الأيام والسنون وأنا أبصر اليد البيضاء فى أيامي وسني مصيري، لذلك ألثم تلك اليد دائما وحتى البقية الباقية من أيامي شاكراً وطالباً أن تُمسك بي على الدوام.

أخي/أختي فى المسيح يسوع أطلب ان تُمسك بك تلك اليد الحنون والقادرة والمُحبة والحافظة فتأمل وأعمل.

                 

عصـا التأديب[3]

عصا لازمة يمسك بها الآب السماوي ويستعملها مع أولاده من وقت لآخر، فتسمع الأنّات والإحتجاجات والتساؤلات وهى تردد "لـماذا"؟. بل ان هذه العصا تثير المقارنات بين اناس ضايقتهم هذه العصا وأذّلتهم مع انهم فى التقوى ومخافة الرب يعيشون وبين أُناس لم تضايقهم هذه العصا ولم تذلّهم وكلهم شر وابتعاد.

هذه العصا هى عصا التأديب الأبوي"فالذى يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله "هذه العصا إذاً لأولاد الله وليست للغرباء عن البنّوة الإلهية.

هل من فائدة لهذه العصا؟ وهل هناك أغراض صالحة لها؟

هذا ما يؤكده علماء التربية بعد تجربة فاشلة فى الإستغناء عن العصا، وهذا ما تقوله كلمة الله من القديم-أن للعصا فائدة لتنشئة الأبناء أفضل تنشئة-كما ان العصا فى يد الله تطمئن عن حسن الاستعمال، فهو يستعملها ليرد الشر ويمنع أولاده من الاشتراك فى خطايا العالم وبها يصفي الكبرياء المتبقية فى اولاده عن طريق آلامها يكشف غنى محبته وهو بواسطتها يُعد المحتملين لجلداتها للسماء.

وهل تُرجعك الجلدات الى نفسك والى الله فتفارق الخطية مهما كانت محبّبة؟

وهل توسع الجلدات قلبك لتتعلم الصبر والأحتمال والتسامح والغفران، وهل

تقّربك الجلدات الى الرب؟

ان الله يجلد ويؤدب أولاده وعلى قدر ما تقبل تأديباته وجلداته تتغير الى صورته فهل تقبل بسرور وبتسليم وتتطلع الى انتظارات الله فيك؟

فلترحب بتأديب الرب لنا لنستحق المجد المزمع أن يتجلّى فينا.

                              ————–

 

 

 

عيد الخلود[4]

لقد شيّعته الدموع وضمّه القبر وتلّقفه الموت وسهر عليه الحرّاس وظن ان الناس ان لا رجعة له ولا قيام لكن الساعة دقّت فاهتز القبر وارتجف الموت وسقط الحرّاس وخرج المسيح ظافراً غالبا ولكي يغلب.

أهذ هو الذى بكته المريمات؟

أهذا هو الذى إحتواه القبر؟

أهذا هو الذى تلقفه الموت؟

أهذا هو الذى سهر عليه الحرّاس؟

أهذا هو الذى ظنّ الناس ان لا رجعة له ولا قيام؟

نعم انه هو وقد قام ليمنح البشر أعظم عيد… عيد الحياة.

ان قيامة المسيح هى نصرة الحياة على الموت، فالموت مهزوم مغلوب والحياة جارفة غالبة انها عيد الخلود رغما عن القبر.

وكم تُبهجنا قيامة المسيح عندما تؤكد لنا أن أمواتنا أحياء، انهم ليسوا فى القبر بل مع المسيح الظافر لأن الله ليس إله أموات بل إله أحياء كأن الحياة لا تدفن ولا تموت ولا تفنى فهى خالدة. وأحباؤنا الراقدون فى المسيح أحياء وخالدون

ونحن سنحيا الى الأبد ولن نهلك ما دمنا فى المسيح.

هكذا قيامة المسيح تضمد جراحنا وتمسح دموعنا لأنها تعطى الحياة، وعد الحياة، أنا حي فأنتم ستحيون "ومن آمن بي ولو مات فسيحيا". ثم إن قيامة المسيح تدفعنا للتفكير فى السماويات لنطلب ما هو فوق. لقد افتكرت المريمات عند ذهابهن للقبر فطلبن الحي بين الأموات وكان نطاق تفكيرهن ومجال بحثهن فى الموت والأموات لكن القيامة غيّرت كل شيئ فبدأن يطلبن ما هو فوق.

قبل القيامة كان التلاميذ فى ضعف واستسلام وخوف،هربوا، أنكروا، شكّوا، وعادوا الى أعمالهم الأولى بالرغم من ان السيد المسيح كان سبق ووعدهم وصرّح لهم بكل ما تم، لكن القيامة غيّرت كل شيئ فتجمعوا وجاهروا وشهدوا وعمّدوا و أبهروا المسكونة.

هاهو شاول الطرسوسي يسخر ويضطهد ويفتري ولما اكتشف أن المسيح حيّ مُقام سلّم بالأمر الواقع وتغّير "ماذا تريد يارب أن أفعل".

القيامة فجر عهد جديد، عهد خروج من القبور، من الظلام، من الأفكار الرديئة وطلب ما هو فوق واستئصال روح الشر منا والسير مع الله وعهده الجديد "هوذا الكل صار جديداً".

القيامة لنا إن كنا نموت عندئذ فقط نحيا فماذا عندك؟ موت؟ أم قيامة؟، أم لا

هذا ولا ذاك؟؟

شرب الليل كؤوساً من نور وثمل الظلام بما شربه الليل فتطوّحت معالمه ولاح الفجر وإذ بالفجر لا فجر يوم، لكن فجر دهر لأنه كان فجر القيامة. فى ذلك الفجر تمزقت ختوم الرومان وتقلقلت سطوة الحرّاس وتدحرج الحجر العظيم وخرج نزيل القبر ظافراً، كاسراً شوكة الموت، وانطوى القبر على فراغ وعلى أكفان. فى ذلك الفجر خرجت المريمات بالحنوط واقتربن الى القبر بالبكاء وفتّشن عن الحيّ بين الأموات بالدموع، وأصغين الى الملائكة بإرتجاف وسمعن القول:"لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات؟".

كم من مرّة حدثهن السيد والمعلّم عن قيامته ولكنهن أتين اليه بالحنوط!

كم من مرّة فتح عيونهن على قدرته التى لا تقهر ونصرته التى لا تُقبر، ولكنهن جئنه الى القبر باكيات، دامعات، ويائسات.

ولكن من القبر الفارغ صدحت أغنية الرجاء وأستلهمت عرائس الفجر الغناء ودوى الصوت مع أهازيج الصباح:" وها أنا حيّ الى آبد الآبدين. آمين".

أوحى يوم الجمعة باليأس، وأوحى يوم الأحد بالرجاء…

أوحى يوم الجمعة بالدموع، وأوحى يوم الأحد بالفرح والغناء…

أوحى يوم الجمعة بالشكوك، وأوحى يوم الأحد باليقين….

أوحى يوم الجمعة بالقوة والثقة وبالماديات، وأوحى يوم الأحد بأن المسيح هو

وحده موضوع الثقة والإيمان.

فقيامة المسيح أساس المسيحية، وإعجاز المسيح هى ضمان الوعود الإلهيـة، ورجاء الخلود وبهجة الأفراح جميعاً. فمن ذلك القبر الفارغ انطلقت قوة المسيح وبرز لاهوته مجلجلاً مرهباً يهدم الأفكار المتهجّمة على صليبه وشخصه، ويقشع جهالات الأدعياء فى هذا الوجود.

ومن ذلك القبر الفارغ دوى الصوت مع خيوط الفجر الأولى: ولماذا تطلبن الحيّ بين الأموات؟، فالمسيح لا مكان له فى قبر إلاّ ليُحي ويُقيم.

إن قيامة المسيح دعوة الى تغيير كامل وليس تغيير تدريجي جزئي، فكما نُفضت عنه الأكفان وبالموت حطّم قوى الظلمة، يدعونا الى هذا التغيير الذى فيه نطرح كل ما يتصل بالشر والفساد والشهوة حتى تبدو الحياة فى جدّتها لا صلة لها بالحياة القديمة، وان لم تصنع القيامة معك ذلك، فالمسيح لا يزال ميّتاً بالنسبة لك، لم يقم على الإطلاق، فلا يجوز لك أن تُعيّد، فالأموات لا يُعيّدون.

فيارب الحياة والقيامة، لقد تعبت من حياتي الآثمـة فأخرجني من قبر الملّذات العالمية وأقمني معك. إني أحيّيك يا موضوع الثقة الحبيب وأسّلم قواي لرب القيامة المجيد ورب السلام والحب، وأتضرع أن تزيدني إيماناً وحبّاً وثقتي ويقيني فيك وفى نعمتك وفى حبّك لأعيش كـمنْ قام معك حقاً لأن لك

الملك والقوّة والمجد الى الأبد. آمين.

                    —————-

أدّ حساب وكالتك[5] (لوقا2:16)

كانت تجارته خاسرة، أمّا غيره فكان يتاجر ويربح وبتضاعف ما عنده. كان متكاسلاً لا يبالي بشيئ مستهتراً ومستهينا وغير مبال تحكم فيه فكر شرير ضد سيّده ووليّ نعمته، لم يكن له أساس من الواقع لكنه عاش به وإتخذه ستاراً يحمي تقصير وعيوبه فيه. ولم يخجل أن يذكره للسيد فقال:" عرفت انك انسان قاسِ تحصد حيث لم تزرع وتجمع من حيث لم تبذر"(لوقا22:19). هكذا أعلن عن عدم معرفته بالسيد وكان مقياس حبه للسيّد فى الحضيض لذلك لم يبالِ بمشاعره ولا بعمله فدفن الوزنة الوحيدة التى له.

اما غيره فكان يجب سيّده إذ أثبت امانته واهتمامه بعمله فهو يتاجر بغيرة وإخلاص وأمانة ونشاط يدفعه سرور وتطلّع الى مجيئ سيّده ليؤدي حساب وكالته بفرح فربح وزنات مضاعفة.

وجاء السيّد اخيراً وقدّم كلّ حسابه، سلّم ما تسلّمه من السيد لم يبدّد اي منهم شيئاً من الوزنات التى تسلّمها، لكن واحداً سلّمها مضاعفاً والآخر سلّمها كما هى ورأى السيّد المسيح فى الأول صلاحاً وأمانة فطّوبه وكافأه ورأى فى الثانى تكاسلاً وشراً وإدّعاء لم يتفق حتى مع تصّرف فوجّه له اللوم وجرّده مما عنده وسلّمه الى الدينونة والعذاب.

هاتان هما الفئتان فى كنيسة المسيح وليس فى خارجها وانهما يصّوران  الناس فى كرمْ الخدمة-أؤتمنا على الوزنات والخدمة بغيرة من اجل السيد لكي يقدم كلِ حسابه فى مجئ المسيح له المجد-فهل تبصر نفسك بين الصفوف؟

وهل تتطلع الى مجيئ السيد بشوق لتقّدم حساب الأرباح؟

أم وزنة مطمورة مع إدّعاءات كلام وتعللات إتهام للسيّد؟

وهل نمتلك شيئا؟ مازالت الفرصة أمامك للتأمل والعمل بأمانة ووفاء-تصور أحدهم فدان ارض تعاقب عليه الزارعون فى الف عام وقد استيقظوا جميعا من رقدة الموت وحملوا فؤوسهم وتجمعوا وكلهم يصيح "هذه أرضي، انها ملكي"، لقد امتلكها كل منهم فى وقته وتركها لغيره فهل ملكها أحْد؟ وكذلك المال الذى يحلّ فى جيوبنا قليلاً، ثم يتسرب من بين ايدينا سريعاً ويحلّ فى جيوب غيرنا، هل نمتلكه؟

وهكذا الحاجيات المتنوعّة التى نشتريها لمتطلبات المعيشة وقد نعتز بملكيتها وقتاً فنسهر على ما تقتضيه المحافظة والإبقاء عليها، فهل نمتلكها؟، أم تمتلكنا؟ أم أنه لا هذا ولا ذاك؟

وتحيّرت فليس هناك جواب قاطع، هذه الفانيات تمتلكنا بصورة ونمتلكها نحن

ايضاً بصورة ما، لكن كلانا لا يملك فى الواقع بصورة قاطعة- ليس فى اي منا

القدرة على الإمتلاك بالطريقة التى تجعل الشيئ جزءاً منا ونصير نحن جزءاً منه، بلا افتراق فهى لا تشبعنا تماماً ونحن لا نستحوذها بطريقة تمنع تجريدنا منها فى لحظة فى طرفة عين (لوقا20:12).

الحقيقة إذاً لا نملك شيئاً من كل هذا فماذا نكون إذاً؟

نحن وكلاء، نحن حرّاس نسهر ونحسب مدّة حياتنا ثم نسلّم وكالتنا لغيرنا لمدة حياته، أمّا المالك الأصلي والحقيقي وصاحب الكل فهو الله. فقط يُسأل فى الوكلاء لكي يوجد الإنسان أميناً(ذكورنثوس2:4)، ويعطى كل انسان حسب وكالته فيسمع القول:"نعمِاً..أو أذهب عني"

فماذا صنعت بوكالتك؟

 أموالك..فدادينك..عقاراتك..أوقاتك..مواهبك..أفكارك..عواطفك..نِعمْ وبركات القدير عليك؟

ليس المهم أن تكسب وتربح لكن المهم أن تكون أميناً لا تدفن ولا تكنز للسوس والصدأ.

أنت وكيل..كُنْ أميناً..كُنْ غنيّاً فيما للـه. فتأمل واعمـل.

                            ————

 

أمسيحي أنت إسماً وفعلاً[6]؟

أنه سؤال محيّر، دعت الضرورة الـملحّة بأن أثيره فى وقتنا الحاضر آملاً أن يحقق الفائدة المرجوّة وسائلاً رب المجد أن يؤهلنا للإنتظام فى سلك عبيده الأمناء والفوز بالميراث الأبدي لأبنائه الأخصاء.

كلمة "مسيحي" يدّعيها كل الناس لأنفسهم وينكرونها على سواهم إن لم يروقوا لهم. كلمة ترسم أمامنا نهجاً وتخط أمامنا خطوط للسلوك المتميّز عن جميع صنوف التصّرف والسلوك فى العالم. كلمة تربط النفوس بشخص عجيب تجّمعت فيه كل كمالات الله وكل مظاهر الإنسان تخطى الحواجز والفواصل ونزل الى عالمنا ليرفعنا من ههنا وليرْقى بنا الى أمجاد السماء وليخلق من جديد نفوسنا على صورة الله ومثاله.

أطلقت هذه الكلمة على المسيحيين أولّ مرّة فى انطاكية وقال بعضهم أن الأعداء هم الذين اطلقوها على سبيل السخرية والإحتقار، لكن المسيحيين تلقّفوها وحوّلوها الى اسم عظيم كان موضع احترام العالم كله إذ صار يعني "المحبة" لله وللناس، والقداسة التى تُلفت أنظار العالمين، ولكن الكلمة "دُعي" فى اللغة الأصلية تحمل معنى الوحي مما لا يتأتى للأعداء أي أن التسمية كانت من الله ولم تكن من انسان "دعي التلاميذ مسيحيين".

فالمسيحيون فئات ثلاث كما قال احدهم:

الفئة الأولى: ساهرون منتقدون على كل شيئ ولقد حسبهم الناس "مسيحيون" لأنهم وُلدوا ونشأوا فى بيوت مسيحية إسماً اي بالوراثة. هنا تحضرني قصة واقعية ومؤسفة إلاّ انها تبدو للقارئ بأنها فكاهية: فى حداثة نشاطى الشبابي بجمعية الشباب الكاثوليكي وبناء على توجيهات مرشدها العام فى ذاك الوقت حيث كنت بطهطا (سوهاج) ألا وهو المتنيح طيب الذكر الأب هنري عيروط اليسوعي وعلى وجه التحديد عام 1940 اذ اشار علينا قائلا لا يجب أن يقصر نشاطكم على المدن التى يتوفر فيها ما يكفيها من الكنائس على اختلاف مذاهبها والمدارس الطائفية والأميرية بل الأجدى ان يمتد نشاطكم الى النجوع والقرى بصعيد مصر حيث لا توجد كنائس لأي مذهب ولا مدارس أولية مسيحية ولا مبشرين يترددون عليها، وفعلا قصدت احدى القرى بصحبة زميل فى الجمعية واتضح انها من القرى المحرومة من الرعاية المسيحية علما ان شعبها كله مسيحي بدليل اننا لمحنا فتى عمره حوالى 16 سنة فسألناه: اسمك إيه يا شاطر؟ قال اسمي "جرجس" فقلنا: "على كده انت تعرف يسوع؟"، فقال: "إسألوا عنه فى دوّار العمدة".

تلك هى المأساة وليست الفكاهة لنحّكم الضمير، على من نلقي اللوم؟ من

هم المسئولون؟ هل الأهالي؟ أم رؤساء الكنائس؟ والإجابة واضحة ومعروفة.

الفئة الثانية: أصحاب أماني كثيرة ومشاريع اصلاحية إلاّ انهم لا يحققون منها شيئاً، اي اصحاب كلام ولا يُرجى منهم ايّة فائدة.

أخي وأختي فى المسيح يسوع..دعوني أبث شكواي، علما أن الشكوى لغير الله مذلّة. اني أرثي حالنا هنا كأفباط كاثوليك بسبب التهاون وعدم الإكتراث بأمر خلاصنا. لقد أنعم الله علينا بعد جهد وكفاح مرير بشراء كنيسة خاصة بنا وبإثنان من الرعاة الغيورين والوقورين ولكن مما يؤسف له ان عدد المواظبين على الحضور للإشتراك فى ذبيحة القّداس كما تلزمنا الوصيّة الثالثة غير مشّجع ويدعو الى القلق. دعونى ابكي كما بكى ارميا النبي على خراب اورشليم المدينة المقدسة:"يارب اسمع صوتي لا تحجب اذنك عن زفرتي واستغاثتي" (مراثي ارميا56:3)، "كلّت عينيّ من الدموع وجاثت احشائي"(مراثي11:2)، "اذكر يارب ما حلّ بنا انظر وعاين عارنا"(مراثي1:5)، "جدّد ايامنا كما كانت فى القِدمْ"(مراثي21:5).

لكن أعود فأقول كمؤمن: لا وقت للدموع وللتحسّر والإنتحاب لأن لنا رجاء فى الرب القدّير الذى ما زال واقفاً على باب قلوبنا يقرع وينتظر ان نفتح له فهو يدعونا قائلاً:"تعالوا اليّ يا جميع المتعبين والمثّقلين وانا اريحكم"(متى28:11).

واما الفئة الثالثة: هم المؤمنون العاملون حقاً مع الله ولمجد الله، هم العامود

الفقري للجسد، يُضّحون بكل غالي ونفيس ويقّدرون روح الرسالة الخلاصية

وقيمة النفوس ويعملون بحماس وحب وبكل غيرة تماما، حباً لمن أحبهم أولاً وبذل ذاته من أجلهم.

فالمسيحي إسماً وفعلاً هو المدعو من الله بهذا الأسم انسان ارتبط بالمسيح إرتباطاً وثيقاً غيّره تماماً وشمل حياته كلها بالتأثيرات لذلك يتكلم بلغة المسيح، لغة الحق كلّه وكأقوال الله، إنسان ينسى نفسه ولا يفّكر إلاّ فى المسيح فيحسب كل شيئ خسارة من أجل المسيح. إنسان فيّاض بالفرح المسيحي الذى لا يتأتى إلاّ لتلميذ يخرج من كنزه جدداً وعتقاء. إنسان ينبذ الماديّات والجشع والطمع فى الفانيات لا يحلو له الحديث إلاّ عن الروحيات ويوضّح عن علاقته بأبيه السماوي-النور الحقيقي الذى ينير كل انسان مؤمن، اي خالقه ووليّ نعمته ليعبده ويخدمه ويحبه عملاً بقوله تعالى:"فليضيئ نوركم هكذا للناس لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا اباكم الذى فى السموات"(متى16:5).

ايها الأخ الحبيب والقارئ اللبيب: اذكر انك قد بدأت فلا تتلفت ولا تتقهقر الى الوراء لا تتخّلى عن مسئولياتك وواجباتك-كن حيث ينبغي وقُل ما ينبغي ولا شيئ آخر- فالمسيح يطالبك بحفظ وصيّته الثالثة وهو الذى يرشدك والى الأمام. عليك ان تبرز  مسيحيتك على حقيقتها لتُثبت أنك مسيحي إسماً وفعلاً، لأنه ينبغي ان يكون الله غايتك العظمى والقصوى بدون التعلق بالماديات التى طغت على الروحيات- "باطل الأباطيل وكل شيئ باطل"(جامعة2:1) ما عدا حب الله وعبادته، هذه هى الحكمة السامية ان يسعى الأنسان الى السعادة الأبدية والفرح الدائم بالإزدراء بالعالم لأنه لا شيئ ثابت تحت الشمس بل كل شيئ باطل وكآبة الروح، وعلى رأي الحكمة الشعبية"تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش". ففى بدء الخليقة عمل الرب الخالق ستة ايام واستراح فى اليوم السابع فهو تعالى يطالبك بحقوقه فهل تبخل عليه بيوم واحد تقدّسه لعبادته وخدمته؟

سلْ الرب يسوع بأن يتعطّف عليك ويفتقدك بروح الحرارة ولينزع منك كل فتور روحي ويقّوي ايمانك بالأكثر ويزيدك رجاء وثقة بجوده ورحمته،فإذا ما حاول عدو الخير أن يجّربك إلجأ لأم الرأفة والرحمة سيّدتنا مريم العذراء التى شهد لها احد القديسين بقوله:ان الرب حفظ لنفسه القدرة والحكمة والعدل وترك الرحمة والرأفة لـمريم أمّه.

تذوّق حلاوة تقّربك للرب وفوّض أمرك اليه تعالى تجد ذاتك للوقت هادئ البال خاليا من البلبال. اقصد وجه الله بقلب سليم مجردّاً من حب العالم الزائل فتضحى جديراً بنيل النعمة وأهلاً لقبول موهبة العبادة، فإن الرب تبارك وتعالى حيث يجد آنية فارغة فهناك يسكب بركته.

وختاماً ادعوك فتعال الى يسوع وكن مواظباً على كنيسته رافعاً رأسك قامعاً جسدك مكرّساً وقتك وجهدك لأجله، فهو يرعاك بعينه الساهرة متطلعاً اليه وتكتفي بنعمته وان تسلك فى النور، فالذى يتبعه لا يمشي فى الظلام (يوحنا12:8) واجعل شعارك:"احيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ وينبغي ان ذلك يزيد واني انا انقص". فتأمل واعمل كمسيحي إسماً وقعلاً.

                               ————-

سر التمتع بالله ورفقته الدائمة

أخى وأخـتي فى المسيح يسوع…

كم يلزمك من الجهد ومن الوقت لتتصل بالله؟

هل تستطيع ان ترفع عينيك وقلبك وفكرك الى فوق، فإذا بك سريعاً فى حضرته القدسية؟ وهل تستطيع ان تخرج سريعاً من عالم الفوضى والإنزعاج والمشغولية والقلق والتيارات لتلتقي بالرب يسوع؟ أم أن هناك معّوقات كثيرة تعرقل وتعطلّ وتخنق هذه الصِلة وهذا التحليق والتسامي؟

ساءلت نفسي وأنا ألاحظ عدداً من الناس الذين أحسبهم من الأتقياء-ان هناك قوماً لا يلزمهم جهد ولا وقت فهؤلاء يعيشون ويمثلون أمام العرش العظيم- أنت تشعر وأنت معهم انهم يكلّمون الرب طيلة الوقت وانه يتعذر انتزاعهم وابعادهم عن الحضرة الإلهية. إن سيرتهم فى السماويات وأفكارهم

هناك لذلك لا يلزمهم إلاّ ان ينادوا كالسيد "يا أبتاه" ويسمع لهم.

إلاّ ان هناك قوماً يلزمهم من الجهد اعظمه ومن الوقت أكثره ليصل الواحد منهم الى اعتاب الصلاة، قد يكون الواحد منهم تقياً ومخلصاً لكنه مهمل فى وسائط النعمة متهاون بالنسبة لحياة القداسة والتدقيق منشغل بمطالب الحياة الزمنية ومكاسبها المغرية. لذلك يستصعب الأمر بحجة ضيق الوقت فلا يفكر فى واجباته نحو وليّ نعمته ليختلي به ولا يتمتع بحضرته القدسية ولو لبضع دقائق واذا سمحت ظروفه وفكّر أن يصلي يحسّ بالبعد والجفاء وبالثقل ولا يصل الى غنى الأختبار فى متعة الصلاة حتى يطيل الجلوس خاشعاً امام الرب ويتخطى الحواجز والحُجبْ بجهد عظيم، إلى هؤلاء تتطلّع متخوّفين ولنتذكر هنا ديماس مصلين ان لا يبلغ بهم المصير مصيره. على ان هناك قوماً لا يبالون بأمر خلاصهم بإقترابهم الى العرش وليست لهم صلة بالله على الإطلاق يلزمنا أن نكثر الصلاة من أجلهم لتفتح عيونهم وقلوبهم على طريق الحياة كلها فى التمتع به تعالى وبرفقته الدائمة.

ثم كم يلزمك لتخرج من المادة لترتفع إلى أعماق الحياة الروحية؟ هل تهمس وتتجاوب همساتك مع الأعالي وتنادي ويأتيك الجواب "ها أنذا"؟. هل تناسيت وعده الأمين؟ "أنا معكم"، على مر الأيام والسنين، فى حلاوة الحياة وفى مرارتها، فى بحبوحة الحياة وفى عبوستها. كل الأيام، إنه حقاً معنا الى

جانبنا سنداً، مرشداً، معيناً، مباركاً، رفيقاً، معزيّاً الى إنقضاء الدهر.

وإذ نسير فوق امواج الزمن نحسّ بحاجتنا الى هذا الوعد والى هذا الصديق، الى حنو قلبه والى همسات حبّه والى وقع خطواته والى نور تعليمه.

ان معرفتك به تؤكّد على الدوام امانته فهو يعد ويفي، لذلك فهو لابد ان يكون معك. ولكن وعده محاط بوصيّة التى يجب العمل بها "من يتبعني لا يمشي فى الظلام". انه يتنحىّ عن يشوع وشعبه امام عاي بسبب خطيئة عخان بن كرمي ويعلن:" لا أعود اكون معكم حتى تنزعوا الحرام من وسطكم". انه يتنحىّ عن امرأة لوط رغم الإهتمام الخاص بها إذ داست وصيّته. انه يتنحّى عندما يتحوّل القلب وهو فاحص القلوب والكُلى,

فهل تسعى الى رفقته؟ وهل تحب أن يسير معك؟ إن الوعد قائم وموجود، فقط عليك ان تحقق الإنتظار، قاوم عدو الخير، انزع كل ما يسيئ اليه من الخطايا واهرب منها وكما هو مكتوب" من يصعد الى جبل الرب ومن يقوم فى موضع قدسه، الطاهر اليدين والنقي القلب الذى لم يحمل نفسه الى الباطل ولا حلف كذباً" (مزمور 3:24-4).

فما عليك إلاّ بتميم واجبك فى الشهادة له بالمجد وإعلان حبّه وعن إختباراتك

فيه. انه لا يكون معك إلاّ إذا كنت أنت معه، وعلى قدر ما تصطبغ بصفته

وتعمل عمله على قدر ما تكون الرِفقة إلى كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر.

ليتنا نعيش الحياة اللائقة بالمسيح مدربّين أنفسنا على غلق العينين والأبواب فندخل إلى الملء لينشأ فينا القدرة على الصعود والإرتفاع والوصول فنحيا لا نحن بل المسيح يحيا فينا. فتأملوا واعملـوا.

                    ———————–.

المحبة[7]

أحبّائي فى محبة المسيح يسوع:

سلام على الأخوة ومحبة وإيمان من الله الآب والرب يسوع المسيح – النعمة مع جميع الذين يحبّون ربنا يسوع المسيح فى عدم فساد (افسس23:6-24).

لا أعظم ولا أثمن ولا أسمى ولا أقيّم حديث أو أفضل موضوع غير موضوع "المحبة" وهو قمّة كل شيئ وانشودتي الحبيبة الى نفسي والتى أردت بنعمته تعالى أن أنقلها لكم حتى ترددونها معي فى كل وقت لأني ذُقت ثمرتها وعشتُ حياتي متشبثاً وعاملاً بها فى المجال العائلي اولاً ثم ممارستي فى اعمالها عن طريق الأنشطة الروحية بحسب تنوعها وهذه نعمة وفضيلة خصّني بهما الله منذ حداثتي فجُبلت عليها ولم يستطع عدو الخير أن ينزعها من قلبي. قد تلوموني واكون موضع نقد لأني بأتفاخر واتحدث عن نفسي وكم اتمنى ان تتلذّوا وتذوقوا معي تلك الثمرة التى تجعلني اتفاخر لأنها "المحبة" اي الرب له المجد "فمن يفتخر فليفتخر بالرب"، فالرب هو موضوع حبي فى هذه الحياة وفى الحياة الأبدية الخالدة.

فالمحبة هى حديث الأحاديث وموضوع المواضيع وفى كلمة واحدة هى "الإفتخار" لأنها دستور مسيحيتنا وعنوانها "بهذا يعرفون انكم تلاميذي". هى صمام الأمان فى مسيرتنا والشعلة التى تضيئ لنا الطريق فى حياتنا وعلاقتنا بالله لأنه "محبة".

واذا رجعت بكم الى سنيّ حداثتكم بالمدارس حيث تعلمتم مبادئ التعليم المسيحي طارحا عليكم هذا السؤال: لماذا خلقنا الله؟ فتجيبون: خلقنا الله لكي نعبده ونخدمه ونحبّه. فإذا اطلقت العنان لنفسي لا يسع الورق ولا الوقت لأحدثكم سواء كتابة او شفاهة عن المحبة التى هى سِمة لا بل سُنّة المسيحية وركيزتها لأنها اساس وشريان حياتنا الروحية ورباط الكمال.

نعم يارب ليتنا نحبك اكثر من نفوسنا حتى نجاوب على مطالب محبتك ولا نُحبّ نفوسنا إلاّ من أجلك ونُحبّ فيك كل الذين يحبّونك حقاً كما تقتضي سُنّة المحبة المسيحية المشرقة بك. هبنا أن نُشيد بنشيد محبتك ونتبعك يا حبيبنا الى فوق و لتنشد نفوسنا بتسبحتك وهى مبتهجة بطرب المحبة.

قلتُ لايسعني الورق او الوقت لأتكلم عن موضوع المواضيع فألتمس المعذرة

إذا عُدت لأقصّ عليكم سيرة حياتي (كما يطيب لكم ان تسّمونها) مع اني

مازلت حيّاً أُرزق ولكن هى فى واقع الأمر ان ما اهدف اليه ليست سيرة كسيرة أحد القديسين لأني خاطئ وضعيف، إنما أردت بأن أُعلن شهادتي لمحبة يسوع، فأردتُ أن أعلنها فى هذا المجال ولم استطع إخفاؤها او انكارها فما دعاني الى سردها مجاهراً بها إعترافاً بفضل الله عليّ وليس تفاخراً او تعاظماً، ولأنها نهدف الى أعظم الدروس التى استفدتُ منها الكثير وأفادت غيري أي القريب الذى أوصانا به المسيح فى الأنجيل، لذلك دعوني أُصّرح لكم إذ نحن بصدد "المحبة" بكل فخر وإعزاز وبكل خشوه وخضوع للرب إله الحب الذى سفك دمه الكريم فى سبيل الحب فداءً للبشرية، فأقول لكم بأنه كان لي شرف الدراسة والتخرج من "مدرسة المحبة" ألا وهى "جمعية مار منصور" التى سأظل مديناً لها ومعترفاً بجميلها وحافظاً لمعروفها لباقي أيام حياتي لأنها علّمتني عملياً وعلى الطبيعة "ماهى المحبة"؟ وكيف تُمارس؟ وما هى نوعية عملها؟. والفضل كله للسيد المسيح الذى شّرفني بإنضمامي لعضويتها (الجمعية) منذ حداثتي حيث خدمتُ فيها اخوة المسيح المتألم زهاء نصف قرن تماماً حتى هذا العام اي منذ انتمائي اليها عام 1934 فى عهد المتنيّح الأب فرنسيس بدروس بسوهاج ثم بطهطا وجرجا والأقصر وأخيراً بالأسكندرية.

فلا جدال، الجمعية هى صديقة عمري وعزائي الروحي، فهى حقاً مدرسة

المحبة كما وصفها بحق قداسة البابا بولس السادس فى الستينات عند استقباله الوفد المنصوري الممّثل من 113 دولة، مُحييّاً إياهم بقوله:" إني أُرّحب برُسُل المحبة أعضاء جمعية القديس منصورمدرسة المحبة والعاملين فى حقل المحبة".

فوجب عليّ أنا (موسى المسيح) بأن أشكر الرب مفتخراً بالعمل فى هذا الحقل لخدمة اخوتنا بتفقدهم فى مساكنهم لإرشادهم ولتقديم يسوع اليهم، وكم كانت تعزيتي كلّما أسمع واسترشد منهم عن قصص من الحياة تدل على إيمانهم القويّ والمدعّم بالمعجزات والعجائب الواقعية( والعبد لله كنتُ لا شاهداً او سامعاً فحسب بل طرفاً فيها). لعلكم تظنوني قد خرجت عن الموضوع وسرحتً بكم فى الكلام عن الجمعية ولكن التمس لكم العذر لأنكم لم تمارسوا هذا النوع من أعمال المحبّة المتشعبة. دعوني إذاً أحدّثكم فى هذا المجال وأسرح بكم فى المحبة التى عرفتها وتعلمتها من  الجمعية والتى اصبحت عندي كهواية او بمعنى اصح "تخصص" كما كنت افتتح جلسات الجمعية بكلمة إرشاد وتأمل روحي قبل النظر فى جدول الأعمال والكلمة قد تطول لأن المحبة ليست لها نهاية ولا قيود بالنسبة لفوائدها واعمالها ومفاعيلها ونتائجها العظيمة (وهنا يجب ان اعترف بانه مهما كتبت او تحدثّت عن موضوع المواضيع "المحبة" لا أتعّدى على من هو اقدر مني بنعمة الله الا وهو الشقيق الأنبا اغناطيوس الذى عُرف بلقب "واعظ المحبة" فالرب يزيده ويباركه ويعينه

فى رسالته ليتمجّد به وفيه).

إن المحبة فضيلة الفضائل وخير نفيس للغاية وهى انجيلنا الكامل اي العهدين (القديم والجديد)، وهى الله لأنه "محبّة". فلنتذكّر على سبيل المثال مثل السامري الصالح وقصة أرملة ذات الفلسين وكل أعمال الرسل والرسائل وكل ما هو وارد بالإنجيل من قصص عن "المحبّة"، "كل من يُحبّ فقد وُلد من الله"(1يوحنا 7:4) و"لا خوف فى المحبة"(1يوحنا18:4).

أتوقف هنا لحظة إذ تذكرتُ كلمة او عبارة أردت أن اسردها لكم وأعود بذاكرتي الى عهد خطوبتي عام 1945 وأخص بالذكر الأخ هنري الذى سمع ذات مرّة الأخت انطوانيت فايز يسّى اخت زوجتي جانيت قالت "وحياة المحبة" وهذه العبارة كانت ولا تزال تستعملها كأغلظ إيمان عندها تحلف به، فما ما كان من الأخ هنري انه أخذ يرددها كلما يراها ويلتقي بها فى اي مكان.

فالمحبة تتحّمل الأعباء والأثقال بغير مشّقة وتجعل كل مُرّ حلواً ومستطاباً. محبة يسوع كريمة تدفع الإنسان على عمل الأشياء العظيمة وتُرغبه دائما فيما هو الأكمل. المحبة تتوق الى العلو ولا تطيق أن يثبطها أدنى شيئ من أسافل الأمور. المحبة ترغب فى أن تكون حرّة ومنّزهة عن كل هوى دنيوي لئلا تنطمس عين بصيرتها فتعثر طمعاً بخير زمني أو تسقط هلعاً عند الضيق. لا شيئ أحلى ولا أقوى ولا أعلى ولا أوسع ولا أعذب ولا أكمل ولا أفضل من "المحبّة"، لا فى السماء ولا على الأرض لأنها نشأت من الله ولا يمكنها أن تستريح إلاّ فيه تعالى دون جميع المخلوقات.

المُحبّ يطير ويمرح وهو حرّ ولا يعيقه عائق، إنه يبذل الكلّ للكلّ، ويجد الكلّ فى الكلّ لأنه يستريح فى الخير الوحيد السامي الذى منه يصدر ويفيض كل خير. انه لا ينظر الى المواهب بل يتجّه إلى الواهب بغض النظر عن كل خير. المحبّة لا تقف أبداً عند حد بل تفوق كل حد أي بلا حدود. المحبّة لا تبالي بالأتعاب ولا تشعر بثقل بل تقدم على أعمال تفوق طاقتها.

المحبّة ساهرة ابداً وفى نومها مستيقظة ولا تجزع بل كلهيب مضطرم وكشعلة متّقدة تتصاعد الى العُلى وتنفذ بدون عائق (من تعاليم القديس منصور).

من لم يكن مستعداً لإحتمال كل شيئ وإبتغاء رضوان الحبيب فى كل حين فلا يستحق ان يُدعى مُحبّاً فإن الـمُحبّ ينبغي ان يقبل بالرضى كل ما كان صعباً ومُرّاً حباً بالحبيب، وان لا يتخلى عنه لو فاجأته النوازل.

وبالإجمال اكرر بأن المحبّة هى رباط الكمال كما يعّرفها الرسول بولس (2كورنثوس14:3)، ورباطها وثيق لا يمكن فصمه. ويُضيف القديس يوحنا الحبيب موضحّاً نقطة فى غاية الأهمية قائلاً:"يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق"(1يوحنا18:3)، لأنه لو قلنا ولم نعمل أصبحنا مرائين ويُشترط فى المحبّة ان تكون خالية من ذلك. وقيل ايضاً: "المحبّة فلتكن بلا رياء"(رومية19:12)، هذا ولا يسعني إلاّ أن أرددّ لكم قول الرسول بولس لأهل أفسس قائلاً:" ليحلّ المسيح بالإيمان فى قلوبكم وأنتم متأصّلون ومتأسسون فى المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله والقادر أن يفعل فوق كل شيء، أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر، بحسب القوة التي تعمل فينا. له المجد في الكنيسة في المسيح يسوع إلى جميع أجيال دهر الدهور. آمين"(افسس17:3-21).

                           —————–

                                    

الـمثل الأعلـى[8]

الى اخوتي فى المسيح وشركائي فى النعمة

سلام من الرب ومحبّة أخوية فى المسيح الفادي..

"إني أسمع ما يتكلّم فيّ الرب الإله"(مزمور9:84)، أسألك يا يسوع ان تفتح قلبي وتخاطبه انى لا أريد من الآن فصاعداً أن أسمع أي صوت إلاّ صوتك وحده بمعزل عن جميع الخلائق. أتضرّع اليك مع صموئيل النبي بتواضع وإشتياق قائلاً:" تكلّم يارب فإن عبدك يسمع". لا يتكلّم معي موسى او احد الأنبياء، بل بالأحرى كلّمني أنت أيها الرب الإله مُلهم جميع الأنبياء ومنيرهم.

برّاً بوعدي لكم أحدثّكم بنعمة الله وبإرشاد الروح القدس عن "الـمثل الأعلى".

جميل هو المثل الأعلى وضروري لأنه يدفع بصاحبه الى التقدّم والى طلب الكمال"كونوا كاملين كما ان أباكم هو كامل"، فوجب على المدعوين المختارين أن نتجنب ما يُضعفنا وعلينا أن نتذكّر دعوة المسيح لنا بحب كما دعا الرسل، وان علينا مسئولية كبرى فى هذا الزمان لتمجيد الله تعالى ونشر ملكوته ولا بد من الجهاد والصبر لننال الإكليل الـمُعد لنا.

فالمثل الأعلى هو إندفاع الحياة وهو ذاك الأحسن والأفضل والأمثل الذى يسعى الإنسان فى طلبه والذى لن يصل إليه مطلقاً، طالما هو فى قيد المسير، ومع انه ليس ضرباً من ضروب الوهم والخيال، بل حقيقة قابلة التحقيق، فهو يفرض ذاته على الإنسان لكي يحقق، ويظهره الى حيّز الوجود تحت حكم الفشل فى الحياة.

لنسلّم أنفسنا فى أيدي الآب السماوي تسليماً كليّاً، الذى نظّم مخطّط حياتنا وأعدّ لنا أكليل المجد، وطالما المثل الأعلى هو فينا، يبقى أبداً رأس مال لا ينضب، وبواسطته لا تفشل الحياة، وعثارنا فى الحياة ناجم من هبوط فى رغباتنا، أكثر منه عن هبوط فى أعمالنا، فإن كانت الرغبة حقيقة وراسخة ومتأصّلة، تحملنا بكاملنا نحو الهدف الذى يجذبنا، والذى نسّميه ونحن وقوف وأيدينا ممتدة وقلبنا متفتّح من كل قوانا:"المثل الأعلى".

ان السر فى الحياة ان نجد الحقيقة أعظم من ذواتنا وأن نكرّس ذواتنا لخدمتها- الكيان هو الحياة، والحياة هى المحبّة- فلقد يُولد مرتين من ضبط ميوله وفكّر عالياً وله حاجات بسيطة وقلب نقي.

فالمثل الأعلى هو الغاية التى تصبو اليها الحياة، بحكم الضرورة، تلاحقه بإستمرار ولا تبلغه إلاّ فى نهاية المطاف، هو حاضر فينا وغائب عنّا فى الوقت ذاته، هو فينا وخارج عنا، هو فى عمق كل رغباتنا، وفى قلبنا وعقلنا، هو الإنفتاح المرجو لكل طبيعة خيّرة، وهو ليس فقط فى فكر الآب الخالق وفى إرادته الصالحة فحسب، ولكن بنوع خاص فى الإله الإنسان يسوع المسيح.

أجل لقد تجسّد المثل الأعلى مرّة فى الزمن، فى المسيح، واتخذ وجهاً وشكلاً وأصبح حقيقة راهنة ومثالياً وعرض ذاته ليكون قدوة لنا، خاصة بالنسبة لنا بالذات وأراد أن يندمج فينا بواسطة سرّه العجيب والفائق الطبيعة، إندماج الطريق السائر عليه، والنور بالعيون الـمبصرة والحقيقة بالعاقلة الـمفكّرة، ولهذا لم يميّز القديس بولس الرسول ما بين المثل الأعلى الذى كان يحلم به وشخص المسيح المحبوب، وهذا ما أدلى به فى رسالته الى أهل فيليبي حيث قال:" فمنيتي إذن أن أعرفه هو وأعرف قدرة قيامته، والشركة فى آلامه، فأصير على صورته فى الموت على أمل البلوغ الى القيامة من بين الأموات، ولا أعنى أني قد أصبت الهدف، أو بلغت الكمال، إنما أواصل السعي لعلّي أدرك المسيح يسوع لأنه هو قد أدركني. لا أيها الأخوة لست أحسب إني قد أدركت الغاية، انما أمر واحد أجتهد فيه، أن أنسى ما ورائي وأمتد الى أمامي ساعياً نحو الأمد لأجل الجعالة العلوية التى دعانا الله اليها فى المسيح يسوع"(فيليبي10:3-14).

فالنتيجة ان المثل الأعلى لن يملك إلاّ فى نهاية المطاف وفى هذه الفترة يوّفر لنا أطلالة جميلة على اللانهاية، ويحرّك فينا الرغبة بالدنو من ذاك اللامتناهي، فيا اخوتي وجب علينا ألاّ نحتقر ونهمل تلك الرغبة لأنها صلاة ودعوة تمنحنا الطواعية، لنسلّم أنفسنا فى أيدي الآب السماوي الذى نظّم مخطط حياتنا وأعد لنا إكليل الـمجد.

اخوتي: إياكم والفتور الروحي. قاوموا كل فكر ردئ والغرور والكبرياء وكل الرذائل التى تعزلكم وتُبعدكم وتُحرمكم من التمّتع بمزايا النعمة الخاصة الممنوحة لكل منكم التى أرجو لها الدوام. أوصيكم وصيّة القديس بولس الرسول الى أهل فيليبي:"واظبوا على الصلاة وكونوا متنّبهين واحمدوا الله فيها"(فيليبي2:4).

أرجو تمرير هذه الرسالة على كل أخوة راجياً أن تثمر فى النفوس وأن تأتى بالفوائد الروحية وإنماء الروح على الدوام. أود ان يكاتبني البعض عن انطباعاته ومدى الإستفادة حتى ألمس ثمرة من ثمرات تلك الرسائل وليطمئن قلبي عن عمل الروح القدس فيكم وان الله يبارك هذه الأعمال حتى أتشجّع وأتعزّى أكثر ويعطيني القوة والإلهام لأواصل كتابة هذه الرسائل. صلّوا من أجلي. قبلاتي الأخوية المقدسة وسلامي ومحبّتي لكم جميعا ودمتم فى ملء النعمة والسلام.

                        ——————

 

الأسـرة الـمسيحية[9]

انها خليقة الحياة الأولـى، وترتيب الله الكامل ليزرع فى الأرض أُناساً لهم صبغة خاصة وطابع خاص. انها القلعة الأولى والأخيرة فى كيان الحياة المسيحية، فيها نلقّن أولادنا مبادئ مسيحيتنا وأوُليّات معرفة الله.

كم يشق علينا فى زماننا الحاضر التهاون فى أقدس الواجبات المسيحية التى يجب أن نلتزم بها لنضعها فى المقام الأول، ألا وهى متّطلبات حياتنا المسيحية وغاية وجودنا التى من أجلها خلقنا الله، كما يحزننا كثيراً قلة نسبة المدارس التى تعطى أهمية بالغة لرعاية النشئ دينياً آخذة فى الإعتبار الأول التعليم المسيحي كمادة أساسية، ولكن الذى يزيدنا ألـماً وقلقاً هو عدم وجود تلك الأُسر التى عليها أن تغرس فى أولادها وبناتها البذرة الأولى لمبادئ التعليم المسيحي.

لعل الأباء والأمهّات لم ينسوا أو يتناسوا أيام حداثهم، تلك الأيام التى كانوا يتلقّون فيها فى بيوتهم أصول الإيمان وأحاديث وذكريات الطفولة فى شكل سؤال وجواب:

منْ خلقك؟ – الله

ومن فداك؟ – المسيح

ومنْ قدّسك؟- الروح القدس

ومن أي شيئ خُلقت؟ – من التراب

وماذا يُعلّمك هذا؟ – أن أسلك متواضعاً بين الناس

ولماذا خلقك الله؟ – لكي أعبده وأحبّه وأخدمه وأتبع وصاياه…الخ

كلنا لا يزال يذكر بعض النصوص الكتابية التى نُقشت فى القلوب عند اقدام امهاتنا ونحن فى الرابعة الى العاشرة من العمر فى كلمات متعثرة، لكن فى يقين وحب لكلمة الله لأن الله كان يملك فى الأسرة.

كلنا لا يزال يذكر كيف كان آباؤنا يوقظوننا باكراً لنبدأ يومنا بالصلاة معاً مهما كانت الأعذار والأسباب فلا تقف حائلاً دون ذلك اذ كنّا نقدّس مواعيد الصلاة لنجتمع باسم المسيح تحت سقف المحبة، فكان المذبح العائلي قائماً بأمانة وكرامة وغيرة وبإنتظام.

كلّنا يذكر كيف كان يجري الإستعداد ليوم الأحد، إغتسال يوم السبت وتغيير الملابس وإعداد الطعام وما الى ذلك من إستعدادات فيشعر كلّ منّا بقدسية يوم الأحد المكرّس عيداً للرب حقاً صباحاً ومساءاً غير مبالين بظروف الحياة الزمنية الـمتغيّرة وذلك عملاً بوصيّته تعالى"قدّس يوم الرب".

فلنتساءل الآن: أين هذه الأسرة؟ هل مازالت؟ هل فقدنا جيل الأتقيـاء؟

اننا نحزن ونتباكى كثيراً عما أصاب مدارسنا والمسئولين فيها من فتور وتهاون

فى قمة المواد التعليمية "الدروس الدينية"، إلاّ ان هذا لايعفي المدرسة الأولى "البيت المسيحي" من مسؤليتها الكبرى.

اننى أدعو كل أسرة ألاّ تتخلى عن مسؤليتها متذرّعة بضيق الوقت ومشاغل وهموم الحياة الزمنية لكي تعيش مسيحيتها ولترجع الى الله وليّ نعمتها فأقول:

علّموا أولادكم شريعة الإلـه، درّبوهم على ممارسة حياة التقوى، حفّظوهم الصلوات وكلمة الله التى تحفظهم فى كل طريق، رممّوا مذابحكم العائلية المنتهدمة، إجمعوهم بإسم المسيح وحوله للصلاة لينموا فى المحبّة والفضيلة، وأحرصوا على التعليم الصحيح، وأسهروا على بناء نفوسهم فى المحبّة والطاعة والأمانة، وليرتفع صوت الترنيم فى بيوتكم بدل أي صوت آخر وسبّحوه بحمد كل حين، عيشوا كأسرة مترابطة ومتحابة وقدوة صالحة لبنيكم، ثم رددّوا مع يشوع"أما أنا وبيتي فنعبد الرب"(يشوع15:24).

والى لقاء قريب إذا شاءت عناية الرب راجياً أن يكون لهذه السطور الوجيزة والمتواضعة صدى فى النفوس لتأتي بالثمار الطيّبة. فتأملّوا وإعملوا….

                      —————-

 

"لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغّيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رومية 1:12-2)[10]

احبائي وابنائي واخوتي المشمولين بمحبة الله الآب وبنعمة الإيمان بالمسيح الفادي…

سلام الرب وبركته معكم..

يطيب لي قبل ان نتأمل معاً فى موضوع النص الأنجيلي الذى وقع عليه اختياري بإلهام من الروح القدس ان اعود وأحادثكم بلمحة بسيطة عن الإيمان وفاعليته لأنه يعتبر نبع حياتنا الروحية بالنسبة لنا فهو الركيزة التى نعتمد عليها فإذا ما كنا راسخين فى الإيمان كالصخر امكننا ان نواصل حياتنا ونعيشها حسب ما تفرضه علينا الشروط والنواميس بدون أدنى ريب أو شك ولا خوف من وساوس شيطانية حسداً وحقداً محاولاً إسقاطنا ووقوعنا فى الشرك لأنه يسعى أن يحرمنا من نعيمنا ومن مسيحيتنا.

فى الكتاب المقدس وفى العهد القديم نرى تدبير العناية الإلهية بالإيمان عُرف ابراهيم ابا للذين آمنوا، ولقد عاش ومات آباء العهد القديم فى الإيمان الذى اكمله المسيح بحياته وموته وقيامته. وتلاميذ المسيح ذاتهم لم ينبت ايمانهم بغتة او فجأة، ولكن بثّ المسيح بذوره فى نفوسهم خلال ثلاث سنوات متواصلة، خلال هذه السنوات الثلاث كان الرسل متأرجحين بين الإيمان بالمسيح وبين الإنقياد لتعاليم الكتبة والفريسيين المُضلّة، ولكن قيامة المسيح من بين الأموات وضعت حداً لهذا التأرجح وجعلت من الرسل مؤمنين حقيقين لا يعرفون الى الشك سبيلاً وشهدوا بأعينهم ما قال المسيح وما عمل من آيات ومعجزات خارقة فأعلنوا عندئذ إيمانهم معلنين ايّاه سيدا للحياة والموت. فكم بالحري نحن الذى سمعنا وعايننا وعشنا ولمسنا بركاته وتعاليمه وقيامته فينا فما أطيب الرب فهو مستوجب كل الشكر واسمه قدوس إلى أبد الأبدين.

والآن دعوني احدثّكم عن موضوع التغيير او التجديد الذى يعنيه معلمنا القديس بولس هو التغيير الداخلي. فالداخل هو الأساس والشكل هو نتيجة للداخل، بعكس الذين يغيّرون شكلهم فقط فتصير لهم صورة التقوى ظاهرياً، بيتما الداخل دنيوي محض. ولكن تغيّروا عن شكلكم وكيف ذلك؟ بتجديد أذهانكم وكذلك ان غيّرت الفتاة ذهنها وتفكيرها ستتغير بالتالي أزياؤها وزينته وشكلها. لهذا فلنسأل الرب تجديداً روحيّاً شاملاً "روحاً جديداً جدّد فى أحشائي يارب".

ومن الأساليب الواجب اتباعها للحصول على نعمة التجديد هو تنظيم نهضات روحية جماعية يتم خلالها التأمل فى النصوص الإنجيلية مع العمل على استحقار الذات والعالم الخادع وما فيه والتجرد عن كل اعتبار ذاتي لأننا تراب ورماد كما جاء "اتكلم أمام سيدي وأنا تراب ورماد". فلنردد دائما فى داخلنا:"اي شيئ نحن وماذا كنا والى أيّة حالة صرنا؟؟؟ إننا عدم والرب وحده هو الذى اختارنا ورفعنا عن هذا العالم لنصير أولاد الله. فلنقل بإيمان حيّ وبقلوب منسحقة: ربنا وإلهنا إن ذلك هو صنيعة حبّك الذى يبادر الينا وينقذنا ويدبر حاجاتنا الكثيرة ويصوننا من أخطار شديدة وينقذنا من شرور العالم الغير محصاة، فها نحن نضع ذواتنا بين يديك وأرواحنا وقلوبنا ملكاً لك، ملتمسين أن نصون محبّتك ونحفظها ولا نسيئ اليك لأننا وجدناك ووجدنا ذواتنا معك فسبحانك يا الهنا لأننا وان كنا غير مستحقين شيئا من الخير فمع ذلك لا ينقطع ابداً كرمك وجودك غير المتناهي عن الإحسان حتى الى اولئك الذين انكروا نعمتك واعرضوا عنك بعيداً فأرددنا اليك لكي نكون من الشاكرين والمتواضعين والمتعبّدين الورعين لأنك أنت خلاصنا وقوتنا ببركة وشفاعة امنا ومحاميتنا القديرة المحبوبة سيدتنا مريم العذراء. آمين

ودمتم فى ملء النعـمة.

                          —————

 

 

صلاة خاصــة [11]

يا صاحب القلب الكبير اقبلني فى عمق قلبك أنا اسحق، ولكن لا تسحقني. أسميت نفسي "موسى اسرائيل" لأني كنت ولا أزال لهذه الساعة موسى القديم فى قلّة معرفتي لك فكسرتُ وسحقتُ الوصايا بأرجلي، ولكن الآن فُقتُ من غفلتي فإجعلني "موسى المسيح" صاحب عهد جديد ومسئول عن شعب جديد أوجماعة جديدة أو سرّ جديد لأني لا أريد أن يزاحمني آخر فى هذه المسئولية الملقاة على عاتقي فسلّمنى ايها المسيح ألواح الوصايا وسأحررها داخل قلبي بأحرف دمويـة.

أنا نادم فسامحني، سامحني، سامحني. آمين.

                             ————–

                           



[1] مايو 1987

[2] يوليو 1987

[3] يوليو 1987

[4]  فى 19 ابريل 1987

 

[5] مارس 1987

[6] سبتمبر 1987

[7] 7 اغسطس 1984 بأمريكا

[8] 24 اكتوبر 1978

[9] سبتمبر 1986

[10] 24يوليو 1980

[11] 22 مايو 1976