اتحاد الكاهن بالمسيح يجعله صياد بشر… ودعوات

 

 

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الجمعة 19 فبراير 2010 (Zenit.org).

 إن تاريخ الكتاب المقدس يشهد إلى أن الإيمان، الدعوة النبوية في العهد القديم، والدعوة الرسولية في العهد الجديد إنما هي وليدة "العدوى" بين الأشخاص. فالكلمة، أو البادرة، أو الصدمة التي تولدها شهادة بني، رسول، أو شاهد بشكل عام تحمل إلى التساؤل، ورويدًا رويدًا (أو فجأةً!) إلى الإيمان.

من هذا المنطلق، تحدث بندكتس السادس عشر في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للصلاة من أجل الدعوات ، الذي سيُحتفل به في 25 أبريل 2010، عن خصب شهادة الكاهن والمكرس. تشدد الرسالة التي عنوانها: "الشهادة تولد الدعوات" على أن خصب العمل لأجل الدعوات يرتكز أولاً على عمل الله المجاني. ولكن عمل الله – والخبرة الرعوية تشهد على ذلك – لا يُغني عن نوعية وغنى الشهادة الشخصية والجماعية بل يغتني بها.

فانطلاقًا من تجاوب المدعوين مع دعوتهم إلى الخدمة الكهنوتية والحياة المكرسة، يعمل خصب الله في الكنيسة فتولد شهادتهم في الآخرين الرغبة في الإجابة، بدورهم، بسخاء على نداء المسيح.

وقدم البابا في الرسالة أمثلة كتابية منذ العهد القديم تبين أولاً معنى التكرس: فهو تكرس كلي في السراء والضراء. فالأنبياء "كانوا يدركون أنهم مدعوين في وجودهم لكي يشهدوا لما يعلنونه، وأن يكونوا مستعدين أيضًا لسوء الفهم، الرفض، والاضطهاد". وكانوا يعون أنهم لم يسلموا للرب ليس فقط صوتهم، بل أيضًا كل عناصر وجودهم.

ويشكل يسوع الشاهد بالمعنى الأكمل. ففي ملء الزمان، يشهد يسوع، مرسل الآب، من خلال رسالته لحب الله نحو البشر، دون تمييز، مع تكريس انتباه خاص للآخِرين، الخطأة، المهمشين، والفقراء. يسوع هو الشاهد الأسمى لله ولرغبته بخلاص الجميع.

بالحديث عن عدوى الدعوة، قدم البابا مثال يوحنا المعمدان الذي من خلال شهادته ليسوع كحمل الله الذي يرفع خطيئة العالم، حمل اثنان من تلاميذه إلى اتباع يسوع فور سماعهم لكلمة يوحنا، إذ يقول الإنجيل: "إذ سمعاه يتكلم هكذا، تبعا يسوع".

وهذه العدوى تمر من واحد من هذين التلميذين، أندراوس، إلى سمعان بطرس. ومن ثمّ من فيليبس تمر الدعوة بحماسة إلى نثانائيل، برثلماوس.

وأوضح البابا أن هذه الدينامية ما تزال فاعلة في الكنيسة اليوم: "هذا الأمر يحدث في الكنيسة اليوم: فالله يستعين بشهادة الكهنة، الأمناء على دعوتهم، لكي يولد دعوات كهنوتية ورهبانية جديدة في خدمة شعب الله".

وقدم الأب الأقدس ثلاثة أبعاد جوهرية من حياة الكاهن في سبيل شهادة كهنوتية فعالة:

أولاً: الصداقة مع الرب. التي هي العنصر الأساسي والظاهر لكل دعوة. من خلال الحميمية مع الرب تأخذ الدعوة الكهنوتية طابعها الأعمق. وشرح البابا في رسالته قائلاً أنه "إذا كان الكاهن "رجل الله"، ينتمي إلى الله ويساعد على معرفته، لا يمكنه إلا أن يغذي علاقة حميمية معه".

ولذا خلص البابا إلى القول أن "الصلاة هي الشهادة الأولى التي تولد الدعوات".

ثانيًا: تحدث البابا عن ضرورة هبة الذات الكاملة لله. فالصداقة والحميمية تتكلّل بالهبة التامة للذات. فالتعرف حميميًا إلى الله يعني أيضًا اختبار كيف أن الله يهب ذاته بكليته للمؤمن، ويحمل هذا الأخير تلقائيًا إلى مبادلة الحب بحب. يكتب الرسول يوحنا بهذا الصدد: "بهذا عرفنا الحب، أنه وهب حياته لأجلنا؛ ولذا يجب علينا نحن أيضًا أن نهب حياتنا للإخوة" (1 يو 3، 16).

هبة الذات هذه يجب أن تكون خبرة تتولد في فرح المجانية. فمن يهب ذاته حقًا لا يهب ذاته بتململ بل بسخاء لا رجوع عنه (حتى في خضم الصعاب والشكوك. والفرح هو عنصر قوي في عدوى الدعوات: "إن تاريخ كل دعوة يرتبط في معظم الأحيان بشهادة كاهن يعيش فرح هبة الذات للإخوة من أجل ملكوت الله. والأمر كذلك لأن قرب وكلمة الكاهن تستطيع أن ترفع التساؤلات وأن تقود إلى قرارات نهائية".

وثالثًا: هناك بعد عيش الشركة. فبحسب المسيح شركة الحب هي علامة فارقة تميّز تلاميذه: "بهذا يعرفون أنكم تلاميذي: إذا أحببتم بعضكم بعضًا". والكاهن أو المكرس هما شاهدان لهذا البعد الإلهي للمحبة التي يتجلى في طيات التاريخ.

يكتب البابا في الرسالة: "يجب على الكاهن أن يكون رجل شركة، منفتح على الجميع.

ويذكر بندكتس السادس عشر بأن الكاهن المستوحش، الحزين والمتفرد لا يجذب الشباب إلى الاقتداء بعيشه، ولكن الكاهن الذي يعيش الشركة الكنسية والأخوية يشكل حافزًا يدفع الشباب إلى التفكير بإمكانية وجمال فكرة عيش كذا نوع من الحياة.

وخلص البابا إلى القول: "الدعوات الكهنوتية تولد من خلال التواصل مع الكهنة، مثل إرث غالٍ يمر عبر الكلمة، المثال والوجود بأسره".