كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 14 مارس

مثل الابن الضال

روما، الاثنين 15 مارس 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي التأمل الذي تلاه البابا بندكتس السادس عشر من نافذة مكتبه قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بحضور آلاف الحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

في هذا الأحد الرابع من زمن الصوم الكبير، يُعلن إنجيل الأب والابنين، المعروف أكثر بمثل "الابن الضال" (لو 15: 11، 32). تشكل هذه الصفحة التي كتبها القديس لوقا ذروة الروحانية والأدب في كل الأزمنة. فما هي ثقافتنا وفننا وبشكل أعم حضارتنا، من دون تجلي الله الآب الممتلئ رحمة؟ إنها لا تتوقف عن هز كياننا، وفي كل مرة نستمع إليها أو نقرأها، تقترح علينا دوماً معانٍ جديدة. هذا النص الإنجيلي قادر على التحدث إلينا عن الله، وتعريفنا إلى وجهه وإنما أيضاً إلى قلبه. بعد أن تحدث إلينا يسوع عن الله الرحيم، لم تعد الأمور كما كانت عليه في السابق، فنحن الآن نعرف الله: هو أبونا الذي بمحبته خلقنا أحراراً ووهبنا ضميراً، وهو الذي يتألم إن تهنا، ويفرح إن عدنا. لذلك، فإن العلاقة معه تبنينا من خلال قصة، بطريقة مشابهة لما يحصل بين كل ابن وأهله. فهو أولاً يعتمد عليهم، وبعدها يطالب باستقلاليته، وأخيراً – إن كان التقدم إيجابياً – يتوصل إلى علاقة ناضجة مبنية على الشكران والمحبة الحقيقية.

في هذه المراحل، يمكننا أن نقرأ أيضاً محطات مسيرة الإنسان في علاقته مع الله. قد ترد فيها مرحلة شبيهة بالطفولة: ديانة تحركها الحاجة والتبعية. شيئاً فشيئاً، يكبر الإنسان ويستقل، ويرغب في التخلص من هذا الخضوع ليصبح حراً وراشداً قادراً على العمل لوحده واتخاذ خياراته باستقلالية، معتقداً أنه قادر على الاستغناء عن الله. هذه المرحلة دقيقة فعلاً لأنها قد تؤدي إلى الإلحاد، إلا أنها تبرز أيضاً الحاجة إلى اكتشاف وجه الله الحقيقي.

لحسن حظنا أن الله لا يوفر أبداً أمانته، وحتى ولو ابتعدنا وتهنا، يستمر في اتباعنا بمحبته غافراً لنا آثامنا ومتحدثاً إلى ضميرنا لتذكيرنا بذاته. في المثل، يتصرف الابنان بطريقة متناقضة: فالأصغر يغادر ويزل أكثر فأكثر، فيما يبقى الأكبر في المنزل من دون أن تربطه هو أيضاً علاقة ناضجة مع أبيه. عند عودة أخيه، لا يفرح الأخ الأكبر – على عكس الأب – حتى أنه يغضب ويرفض الدخول. هنا، يمثل الابنان شكلين غير ناضجين من أشكال العلاقة مع الله: التمرد والطاعة الطفولية. هذان الشكلان تذللهما تجربة الرحمة. فقط من خلال تجربة المغفرة، ومعرفة أننا محبوبون من قبل محبة مجانية أعظم من شقائنا وعدالتنا، ندخل في علاقة بنوية وحرة مع الله.

أيها الأحباء، دعونا نتأمل في هذا المثل ونرى أنفسنا في هذين الابنين، ولنتأمل بخاصة في قلب الآب. دعونا نرتمي بين ذراعيه، ونتجدد بمحبته الرحيمة. ولتساعدنا في ذلك مريم العذراء أم الرحمة.

نقلته إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010