قيامة المسيح هى انتصار الحقيقة

 

باسم الآب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين

**********************************

 

" أنا هو الطريق والحق والحياة "  ( يو 16 : 6 )

  الانبا ابراهيم اسحق مطران كرسي المنيا

 

     الأخوة الآباء الكهنة .. الأخوات الراهبات وشعب ايبارشية  المنيا،  الذي أحمله في صلاتي وفي قلبي . بركة ونعمة المحبة الإلهية التي هى أقوى من الموت  يشملان كل حياتكم .

انه لمن دواعي الفرح والرجاء أن يحتفل العالم المسيحي، شرقاً وغرباً ، كله معاً بعيد القيامة المجيد في ذات التوقيت ، لا بل سنُعيّد كذلك في العام المقبل 2011 .        

عسى ان تكون هذه فرصة ودعوة لمزيد من التفكير والعمل الجاد من اجل مزيد من التقارب والوحدة بين المسيحيين ، لتحقيق صلاة المسيح أن يكونوا واحدا            فينا ( يو 17 : 21 ) .

 

كل مرة نحتفل بعيد القيامة نتذكر ونؤكد أن قيامة المسيح هى قلب الإنجيل وجوهره ، وهى بدايه لحياة جديدة وحقيقة جديدة ، كما انها الإعلان بشكل مدو للحياة الأبدية . لذلك حقيقة القيامة هى ركيزة الإيمان المسيحي الأساسية ، وان كان المسيح لم يقم ، فكرازتنا باطلة وإيمانكم باطل " (1 كو 14:14 ) .

1-    جوع إلى معنى وبحث عن أمان 

 

     رغم كل الاكتشافات والاختراعات الحديثة وترف المدنية ، فالناس في بحث دائم عن معنى لحياتهم ، وأتعابهم ومعاناتهم .

الناس جائعون الى من يعطيهم معنى لحياتهم ، ولكنهم يضلون الطريق ويبحثون عنه في السلطة والتسلّط ، وفي الامتلاك والاستهلاك في الجري وراء طموحات لا تنتهي ، ويقعون فريسة لدجالين من كل نوع يروجون لآلهة مزيفة من كل شكل . البشر في حاجة إلى أب يحبهم حب اكبر من خطاياهم ، حب يعطيهم رجاء وثقة بذاتهم وبمستقبل الإنسان فتتحول مجتمعاتهم يوماً بعد يوم إلى مجتمعات أكثر اخوّة وعدالة وتسامح . " …. الذي أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا " ( 1 يو 4: 10) .

خلق الله الإنسان وأراده على صورته ومثاله ، فهو في نظره الأهم وهو فوق السبت ، وخلود الإنسان هو من صميم هدف الخالق . وباختياره أدار الإنسان ظهره لمصدر الحياة مفضلاَ الظلمة على النور ، لكن الله لم ييأس من الإنسان ولم يكف ابداً عن محبته . فجاء يسوع الطريق والحق والحياة يعلن للناس أن الله أبوهم يغفر لهم خطاياهم ويجدد العهد معهم ويفيض فيهم الحياة  .

إن عالمنا يتسم بالخوف من الحقيقة والهروب منها.  فإذا تكلم عن الحقيقة فعباراته ضعيفة ، تحمل معانٍ كثيرة إلا الحقيقة . وان ظهرت بدت أنصاف حقائق … فالمجاملات والمصالح تجعل ما يعلنه العالم من حقيقة هو فقط ما لا يهز المشاعر ولا يضعنا أمام أنفسنا ، ولا يثير فينا مبادرات حقيقية للعمل من أجل إعلاء الحقيقة والالتزام بها قولاً وعملاً  . لا يمكننا طلب النجدة من الله إذا لم نشعر بثقل الموت فينا ، ولا يمكننا طلب الحياة ، إذا كنا نشعر بالاكتفاء ، ونبرر أخطاءنا بالظروف ونلقي اللوم على الآخرين .

إن الله يعمل في القلوب ليحررها من بحثها عن السعادة الوهمية ، عن الحياة المزيفة ، يحررها من خوفها من الحقيقة ومن التعلق بالباطل والأوهام والخطيئة         " تعرفون الحق والحق يحرركم " ( يو 8: 32) .

1-               قيامة المسيح هى انتصار الحقيقية

 

إن الحقيقة بالمعنى المسيحي هى الكلمة التي يوحي بها الآب وتقوم في يسوع المسيح ويضيئها الروح القدس ، ويتعين علينا أن نقبلها بالإيمان لتغير حياتنا . هذه الحقيقة الخلاصية تقدمها لنا الكتب المقدسة وتسطع لنا في شخص المسيح الذي هو ملء الوحي .

كانت حياة يسوع وتعاليمه سبب إزعاج وقلق لأصحاب المصالح من معلمي الشريعة ، الكتبة والفريسيين . أدى ذلك إلى صدامات عديدة بينهم وبين يسوع ، بين الشر والخير ، بين الحرف والروح ، بين الباطل والحق وبين الموت والحياة …

 فكان لابد لهم من التخلص منه ، وكما عبر قيافا بقوله : " خير أن يموت واحد عن الأمة " ( يو 11: 50 ) .

فسعوا بقدر استطاعتهم إلى خطة لقتل يسوع أو لقتل الحقيقة ، وظنوا أنهم بموته قد ماتت الحقيقة لكن الحقيقة لا تموت ابداً .

فكانت القيامة التي أضاءت في العالم نوراً جديداً ، جدد كل شيء ، أقام فينا الحب الذي دفن والعطاء الذي فنى والسلام الذي تبدل بالكراهية .

إن القيامة تعني أن المصلوب غلب الموت لأنه وثق في محبة أبيه التي تفوق الموت . فلا يمكن لمن آمن بالآب أن يرى فساداً ، ولا يمكن لمن اتكل على الله أن يفصله الموت عن محبة الآب . القيامة حدث فريد يغيّر كل تاريخ البشر ، ويملأه بالرجاء .

فليست الكلمة الأخيرة للموت في حياة البشر ، بل لمحبة الله الفياضة التي تقيمهم من الموت إلى الحياة الأبدية . لذلك ترتل الكنيسة " المسيح قام من بين الأموات وداس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور " .

2-               ونحن شهود على ذلك

 

تروي لنا الأناجيل لقاءات يسوع بكثيرين ممن كانوا يبحثون عن الحقيقة ، ولما حصلوا على ضالتهم صاروا شهوداً للحق والحياة .

مثال المولود أعمى الذي لم يسترد فقط بصره وإنما نال بصيرة جعلته أقوى قدرة على رؤية بواطن الأمور أكثر من الذين ظنوا أنهم المبصرون ،  وكان منطقه أعلى من منطقهم ، لان ثقته كانت صادرة عن الحقيقة .

في عمق كل منا رغبة في الحياة ، من المهم ألا نكبتها أو نسكتها ، وان نعرف انه كلما كنا صادقين في إنصاتنا إلى نداء الحياة فينا ، انفتح قلبنا على الله الذي وضع فينا هذه الرغبة وهذا النداء . 

القائم يدعوك الى مبادرات عملية :

من اجل إعلان الحقيقة وتعظيم شأنها على المستوى الشخصي بأن تكون الحقيقة أساس حكمنا ورؤيتنا في عائلاتنا ، في بلدنا ، في كنيستنا … .

وعلى مستوى الالتزام بالدفاع عن كرامة كل إنسان ، وان تعكس حياتنا محبة الله  ورحمته ومغفرته . لذلك علينا أن نتبني ثقافة منبعها وأصولها الثقة في كلمة الله الصادرة من الحقيقة .

 ان تلميذ يسوع يعرف من خبرته الشخصية أن مسيرته الروحية هى نوع من المواجهة المستمرة بينه وبين ذاته ، بجمالها وظلالها ، فالحقيقة مرتبطة بالآلام والصعوبات . ولكن مهما حدث فهو يتحلى بالرجاء ، أن الكلمة الأخيرة ليست للزيف والبطلان ولكنها للحق الذي يحرر ويقود إلى الحياة واثقاً في وعد المسيح الحاضر معه ومع الناس طوال الأيام والى انقضاء الدهر .

يا من داس الموت بموته وقام من بين الأموات هبنا نعمة القيامة للانطلاق لحياة جديدة فنكون شهود الحق في حياتنا وفي سلوكنا آمين .  

المسيح قام .. حقاً قام      و كل عام وانتم في رجاء متجدد

                                                                         

الرسالة الإيبارشية

في

عيد القيامة المجيد

  

 

 

4 أبريل 2010