الطاعة في حياتنا

الطاعة في حياتنا

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

تعني الطاعة حياة البذل الأعمق والأكمل لأجل الله ، بها يخلي الإنسان ذاته من ذاته أي أنّه يسلّم إرادته وحريته بالكامل الى الله ، ومن خلال الطاعة يسمو الإنسان الى ما هو من فوق ويدرك سر وجوده لذا يقول لنا السيد المسيح “مَن أراد أن يجد نفسه يهلكها، ومَّن اهلك نفسه لأجلى يجدها” ( مر 8/35).

تدخل الطاعةُ الإنسانَ الإطار السليم في حياة الشركة مع الله وأساس هذه الحياة هو المحبة ” بنو الحكمة هم جماعة الصدّيقين وذريّتهم هم بنو الطاعة والمحبة (ابن سيراخ3/1) والطاعة أساساً هي ليسوع المسيح ويُبنى الإيمان على هذا الأساس كفعل طاعةٍ لله.

يكمن فعل الطاعة الحقيقي في :

1-الخضوع التام لمشيئة الله:”كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة1 بط1: 14

2- الخضوع في المحبة  للرياسات والسلاطين وللترتيبات البشرية: “فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب.إن كان للملك فكمن هو فوق الكل1 بط 2: 13”

3-الابتعاد عن التمرد  في أعمالنا: يجب علينا أن نبتعد عن كل عصيان وتمرد، حتى وإن كنا نُظلم ونهان.”أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة للسادة ليس للصالحين المترفقين فقط بل للعنفاء أيضًا1 بط 2: 18″

4-  الإخلاص المتبادل بين الأزواج : في البيت العائلي ولا سيما البيت المسيحي يزين روح الله الخضوع «كذلكّ أيتها النساء إخضعنَّ لرجالكنّ حتى وإن كان البعض لا يطيعون الكلمة يُربَحونَ بسيرتكنّ1 بط 3: 1″فخضوع المرأة للرجل هو خضوع المحبة وطاعة الوصية في خوف الله والأساس الذي يقوم عليه هذا هو محبتهم نحو بعضهم البعض  ومحبتهم لله الذي جمعهم في سر الوحدة .وهذا الإخلاص لم يكن فقط بين الأزواج إنما بين الأحداث والشيوخ وبين الآباء والأبناء”كذلك أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعًا خاضعين بعضكم لبعض”1 بطرس 5: 5″

نحن بطبيعتنا  إن كنّا كبارًا أو صغارًا، رجالاً أم نساءُ نميل إلى التمرّد وعدم الطاعة، و لا نستطيع أن نعيش الطاعة من ذواتنا، لذا نحن في حاجة الى أن نتعلّمها.

 خطوات ناحجه لفعل طاعةٍ حقيقية

1- نرفض الماضي وشهواته :”كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم”1 بط 1: 14″يعاني الكثير منا من التعلّق بشهوات سابقة بكل ما تحمل من طمع، ومحبة للمال والعالم، وحتى الرغبة في الانتقام من شخصٍ معين وهذا يجعلنا في ألم كبير مع أنفسنا والآخرين ويسرق منا الطاعة ويغرقنا في التكبّر والعناد مثال عن ذلك هو ما ذكر في الكتاب المقدس عن خروج الشعب الاسرائيلي من مصر فتذمّروا واشتهوا شهوة الماضي وبكوا وقالوا من يطعمنا لحمًا.  قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانا والقثاء والبطيخ والكرّاث والبصل والثوم “عدد11: 4 ورجعوا بقلوبهم إلى مصر أع 7: 39  وقد اراد الرب أن يرجع الشعب إليه ويعبده بفرح في البرية، ثم يدخلوا إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً ليمتلكوها ولكن بسبب شهوات الماضي، تذمّر شعب الله ولم يخضعوا لمشيئة الله وخطته لهم، فتحولت البركة إلى لعنة. “بأكثرهم لم يسرّ الله لأنهم طرحوا في القفر” (1 كو10: 5)

ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام.نسعى نحو الهدف في 3: 13″ 

2– نقتدي بالمسيح :بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قدّيسين في كل سيرة”1بط1: 15الابن يرث أباه، ومن مميزات الابن أنه لا يرث فقط ممتلكات أبيه بل يرث اسم أبيه وصفاته  أيضًا.  إنه امتياز أن نكون قديسين كما هو قدوس.  فنحن لا نأخذ عطايا الرب فقط، لكننا نأخذ صفاته وقداسته أيضًا. 

إنها ليست مسؤولية بقدر كونها هبة وامتياز أن نأخذ صفات المسيح.«كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة  اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة2 بط1: 3، 4 

2- ندخل الى مَقِدس الرب “ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح2 كو3: 18). فنتعلم الطاعة بدخولنا مقادس الرب كما فعل اشعياء النبي ونحن نتعلّم الطاعة أيضًا في محضر الله عندما ندخل المقادس. ورأى الملائكة وهي تقول «قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض»، أدرك أنه نجس الشفتين واعترف قائلاً: «ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود.»  وعندئذ مس واحد من السرافيم فم إشعياء بجمرة من على المذبح وقال «هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك وكفّ عن خطيتك.»  ثم سمع إشعياء صوت السيد الرب قائلاً: «من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟»  لقد تعلم إشعياء الطاعة في محضر الرب فأجاب «هأنذا أرسلني.» 

3- نعيش بمخافة الرب  “سيروا زمان غربتكم بخوف1 بط 1: 17

نعم أبونا أبو الرأفة وإله كل تعزية إنه يحكم ويقضي ويدين.  يحكم بغير محاباة ولا يحابي بالوجوه فحياتنا هنا على الأرض ما هي إلا جزء صغير كالبخار يظهر قليلاً ثم يضمحل

4-نعيش كلمة الله بكل طاعة : كلما نقترب من الله ونعيش كلمته كلما نزداد طاعة وتواضعًا وكلّما نبتعد عنها كلما نمتلئ بالكبرياء والعجب والافتخار والعناد والإصرار”وتعرفون الحق والحق يحرركم  أنتم الآن انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به يو15: 3 إن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، لذلك تستطيع وتقدر أن تحررنا من كل عناد وعدم طاعة.  كلمة الله تنقينا من أفكار العالم وشهواته كلّها، فنستطيع أن نقبل معاملات الله ونطيع.  كذلك كلمة الله تطهرنا من أفكار إبليس، فنحن لا نستطيع أن نتخلص ونتطهر من أفكاره وخداعاته بدون الحق والمكتوب، لذلك يكتب الرسول بطرس “طهّروا نفوسكم في طاعة الحق1 بط 1: 22. اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلّص نفوسكم يع 1: 21.   فعندما نقترب من كلمة الله ونقبلها، ننفصل عن ماضينا بشهواته كلّها، وأيضًا ندرك الامتيازات التي لنا من أبينا السماوي، ونشترك معه في قداسته

تُمارَس طاعة الله عملياً بحفظ وصاياه أي ”طاعة الإنجيل”طاعة الحق بالفكر والقلب (رو 6: 17). كما تتضمن أيضاً القبول بتكليفات الله، والرضا بالتألُّم من أجل اسمه (في 1: 29)، والخضوع الواثق أمام التجارب التي يسمح بها الله لدعم الإيمان.

وكلمة الله تحثُّنا على طاعته: «طوبى للذيـن يسمعون كـلام الله ويحفظونه ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس» فهو من قال لتلاميذه علِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به طاعة الله هي دليل صادق على إيماننا بالله ومحبته، إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي… الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني… الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي… أنتم أحبَّائي إنْ فعلتم ما أُوصيكم به» (يو 14: 15«بهذا نعرف أننا قد عرفناه (أي أن نؤمن به ونتبعه وعلى العكس، فإنَّ عصيان الوصية والتحلُّل منها هو إنكار صريح للإيمان ورفض لتبعية الله، فيه نفقد النور الهادي فنتخبَّط في الكلام ولا نعرف إلى أين نمضي!

بركات الطاعة

المسيح إذ أطاع حتى الموت من أجل الخطاة  «رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل رُكبة مِمَّن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب نحن بطاعة الله نثبت في محبته (يو 15: 10)، فنتمتَّع بالسلام، ويُنزع منَّا كل قلق وخوف، كبيت مبني على الصخر يُقاوِم كل اضطرابات الحياة .