تأمل اليوم: خواطر بولس السجين في آخر أيامه

تأمل اليوم: خواطر بولس السجين في آخر أيامه

“أنا الآن أسكب سكيباً”
تأمل في قراءات الثلاثاء, 10 ديسمبر 2013-  14 كيهك 1730
اليوم الخامس عشر من شهر كيهك
الأب/ بولس جرس
السنكسار
نياحة القديس غريغوريوس الارمنى

في مثل هذا اليوم تنيح القديس غريغوريوس بطريرك الأرمن والشهيد بغير سفك دم . هذا القديس كما ذكرنا في اليوم التاسع عشر من شهر توت ، قد عذبه تريداته ملك الأرمن في سنة 272 م بسبب مخالفته له في عبادة الأوثان. ثم طرحه في جب أقام فيه خمس عشر سنة ، عاله الله في أثنائها إذ كانت تأتيه عجوز بما يقتات به . ولطول الزمن لم يعرف ذويه إن كان قد مات أو لا زال علي قيد الحياة .فلما قتل الملك العذراء أربسيما ومن معها من العذارى وأمر بطرح أجسادهن علي الجبال ، عاد فندم علي ما فرط منه لأنه كان يريد إن يتزوج منها . ولما رأي ذويه انه قد افرط في الحزن علي قتلها ، أشاروا عليه إن يخرج للصيد ليسري عن نفسه . وفيما هو يمتطي جواده وثب عليه شيطان وطرحه إلى الأرض وصار ينهش في جسده ، ثم غير الله شخصه إلى صورة خنزير بري ، فاخذ يجول في البرية وينهش كل من وجده . كما إن كثيرين من أهل مملكته قد أصابهم ما أصابه وصار فزع وصراخ عظيم في القصر ، وهذا بسبب ما فعله بالعذارى . ورأت شقيقة الملك رؤيا ، في ثلاث ليال متوالية ، كأن إنسانا يقول لها إن لم تصعدوا غريغوريوس من الجب فلن تنالوا خلاصا ولا شفاء . فتحير القوم إذ كانوا يعلمون انه مات . ثم أتوا إلى الجب وانزلوا له حبلا ونادوه ، فلما حرك القديس الحبل ، علموا انه لا يزال حيا فطلبوا منه إن يتعلق بالحبل واصعدوه ، ثم اغتسل والبسوه ثيابا جديدة وأتوا به راكبا إلى القصر . وهناك استعلم منهم عن أجساد العذارى ، حيث ذهب فوجدها سالمة فوضعها في مكان لائق . وسأله الشعب إن يشفي الملك مما هو فيه ، فأحضره وقال له : هل تعود إلى أعمالك الرديئة ؟ فلما أشار الملك بالنفي ، صلي عليه فخرج منه الشيطان وعاد إليه عقله وشخصه ، ولكنه لم يعد صحيحا كما كان ، بل ما زالت فيه بقية من خلقة الخنزير وهي أظافر يديه ورجليه ، تأديبا له وتذكيرا بما كان منه حتى لا يعود لمثله . ثم شفي الاب البطريرك جميع المصابين واخرج شياطين كثيرة . فآمن الملك وكل سكان كورته . فعلمهم وعمدهم وبني لهم كنائس كثيرة ، ورسم لهم أساقفة وكهنة ، ووضع لهم السنن وفرض الأصوام . ولما اكمل سعيه تنيح بسلام ، صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما ابديا امين .

القديس إغريغوريوس الأرمني | غريغوريوس المستنير

  يسمى “القديس غريغوريوس المستنير” St. Gregory The Illuminator، ذلك لأنه قدم نور السيد المسيح لشعب الأرمن بطريقة فائقة، حتى دعي “رسول أرمينيا”. تدعوه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية “الشهيد بغير سفك دم”، وتذكره في مجمع القداس الإلهي، اختاره شعب نابولي بإيطاليا عام 1636 م. شفيعًا عن مدينتهم.

آخرون لكنه هو قام بدور رئيسي إذ استطاع أن يحول الملك إلى المسيحية، ليجعل المسيحية هي الديانة الرسمية للبلاد، وهو بهذا جعل أرمينيا أول بلد في العالم يقبل ملكها المسيحية، لذا يلزمنا أن نقدم في سطور قليلة عن الكنيسة الأولى في أرمينيا، فيمكننا تتبع سيرة هذا القديس.

الكنيسة الأولى بأرمينيا: يرى البعض أن المسيحية قد انطلقت إلى أرمينيا على يدي القديسين برثلماوس وتداوس منذ القرن الأول، وآخرون يرون أن المسيحية قد بدأت خلال بعثات تبشيرية في القرن الثاني جاءت من أنطاكية وفارس، غير أن الكل لا يتجاهل الدور الرئيسي الذي قام به القديس غريغوريوس المستنير، الذي سيم أسقفًا على أرمينيا بواسطة رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك عام 294 م.، فجذب الملك تريداته الثالث Tiridates III (238 ? 314 م) للإيمان، وحول كثير من الوثنيين إلى الإيمان بالمسيحية، لذا حُسب مؤسس الإيبارشية الرئيسية في Etchmidzin بجوار جبل أراراط، وصار جاثليقًا على أرمينيا وقدم من نسله عددًا ممن نالوا هذا المركز، وكان رئيس أساقفة قيصرية يقوم بالسيامة حتى صارت كنيسة أرمينيا مستقلة عن قيصرية.في عام 390 م. انقسمت أرمينيا بين البيزنطيين والفارسيين، تتقاسمها الإمبراطوريتان، وفي أيام الجاثليق إسحق الكبير تم استقلالها تمامًا عن قيصرية الكبادوك، وانطلقت حركة أرمنية قومية خاصة بظهور حركة ترجمة ضخمة للكتاب المقدس والتراث المسجل باليونانية إلى اللغة الأرمنية.

نشأته: وُلد حوالي سنة 240 م. في مدينة فالارشياباط التي كانت أكبر مدن أرمينيا، عاصمة إقليم أراراط، من سلالة ملوكية. قام والده Parthian بتحريض البعض بقتل الملك خوسروف الأول Khosrov الأرمني، فقبض عليه الجند وقتلوه، أما غريغوريوس فكان مع أخيه طفلين استطاعت مربيتهما صوفيا أن تهرب بهما إلى قيصرية الكبادوك (بتركيا)، حيث قامت بتربيتهما في حياة تقوية مقدسة. كان غريغوريوس يتحلى بالحياة الفاضلة مع نبوغه أيضًا في العلم والفلسفة.تحت ضغط مربيته تزوج وأنجب طفلين ثم اتفق مع زوجته على الحياة البتولية لتكريس طاقتهما للعبادة لله، فانضمت زوجته إلى إحدى أديرة النساء، أما غريغوريوس فقد أراد التكفير عن خطأ والده فتقدم لخدمة ابن الملك القتيل، “تريداته الثالث” يخدمه بأمانة فائقة.دخل تريداته في حرب مع سلطان الغوط فانتصر عليه وقبض عليه وسلمه للإمبراطور الروماني فأنعم عليه بعرش والده وعينه واليًا على بلاد أرمينيا، فعاد إليها كملك عام 287 م.

أراد تريداته أن يقدم ذبيحة شكر للآلهة التي حسبها أنها هي التي ردت له مُلك والده، طلب من غريغوريوس أن ينوب عنه في تقديم القرابين… أما الأخير ففي لطف أخبره أنه مسيحي ولا يعتقد بالأوثان… (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). فقام الوالي (الملك) بتعذيب غريغوريوس بعذابات مرة خاصة وأن بعض رجاله أخبروه أن والد غريغوريوس هو قاتل والده. أعيت الوالي الحيل في تعذيب إغريغوريوس إذ كان الرب في كل مرة يخلصه ويشفيه حتى ألقى رصاصًا مغليًا في فمه، وأخيرًا أمر بإلقائه في جب عميق يموت فيه جوعًا وعطشًا.في طريقه إلى الجب، أمام مدينة فريزا تقدمت الجماهير ومعها المرضى يطلبون منه الصلاة، وكان الله يتمجد فيه، حتى آمنت زوجة الوالي وابنه فاستشهدا على يدي الوالي نفسه.

في الجب: تحول الجب إلى مقدس لله، فيه ينعم غريغوريوس بحياة تعبدية مفرحة وسط الضيق الخارجي، وقد أعد الله له سيدة عجوز أبصرت في رؤيا من يقول لها: “اصنعي خبزًا والقيه في ذلك الجب”، فكانت تفعل ذلك لمدة 14 عامًا. في هذه الفترة هام الإمبراطور دقلديانوس بحب فتاة تدعى “ريبسما”، وإذ كانت قد نذرت البتولية هربت إلى أرمينيا، طلب الإمبراطور من الوالي تريداته أن يبحث له عنها في أديرة النساء، وبالفعل وجدها وإذ رآها سقط في حبها أراد الزواج بها لكنها رفضت. قام بحبسها مع امرأتين لتحاولا إغراءها فلم تفلحا بل قاومتهما وقاومت الوالي نفسه وهربت، فأرسل وراءها جلادين قبضوا عليها وأحرقوها بالنار، وقتلوا 32 عذراء كن معها.

تريداته الهائم في الأدغال: اشتد الحزن بالوالي تريداته على ريبسما حتى دخل في حالة اكتئاب نفسي شديد، ولم يعد قادرًا على ممارسة عمله، فأخذه بعض رجاله إلى خارج المدينة في رحلة صيد لعله يستطيع أن ينسى، وإذ انتابه روح شرير صار كخنزير بري ينهش جسده ويصارع مع من حوله، وانطلق في الأدغال هائمًا.إذ علمت أخته بما أصابه، وكانت إنسانة نقية القلب، تولت أعمال الولاية وهي تبكي بمرارة من أجل أخيها، فظهر لها ملاك في ليل يعلمها أن أخاها لن يبرأ ما لم يخرجوا غريغوريوس من الجب.

في الصباح أخبرت رجال الدولة بما رأت فحسبوا أن ما رأته إنما من قبيل الهواجس لشعورها بالذنب لما حدث مع غريغوريوس منذ 14 عامًا، لكن تكرر الحلم أربع مرات في الليلة التالية، وإذ أصرت على طلبها أرسلت بعضًا من رجال الدولة يلقون حبلًا في الجب ليرفعوا دانيال الجديد من الجب حيًا. استقبلت الجماهير هذا الأب باحتفال عظيم وانطلقت الأخت تطلب بدموع من القديس أن يصفح عنها وعن أخيها ويطلب من الله شفاءه.شفى القديس غريغوريوس الوالي تريداته باسم السيد المسيح مع ترك بعض علامات في جسده، لتذكره بالماضي إلى حين يتم شفاءه بالكامل، بعد قبول الإيمان المسيحي. تحولت حياته الباقية إلى عمل كرازي غير منقطع، وتحول الكثير من الوثنيين للإيمان المسيحي وبنيت الكنائس، ممارسًا أعمالًا فائقة باسم السيد المسيح. سامه رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك ليونتيوس أسقفًا على أرمينيا عام 294 م.، فسام كهنة للخدمة وتفرغ للكرازة بين الوثنيين في بلاد أرمينيا. وقد أطال الله عمره حتى بداية حكم قسطنطين الكبير حيث زاره القديس مع الملك يوحنا لتقديم التهنئة له.مال في نهاية أيامه إلى حياة الوحدة فاعتزل في جبل قريب Mount Manyea وقد دُعي لحضور مجمع نيقية عام 325 م فأرسل ابنه أريسطاشه Aristakes ، الذي كان قد قام بالعمل كنائب عنه بناء على إلحاح الشعب، وخلفه كجاثليق أرمينا.

قضى ستة أعوام في خلوته يمارس حياة النسك والتأمل، وإذ قربت لحظة انتقاله (حوالي عام 330 م) دخل جوف شجرة ضخمة وركع يصلي لينتقل، فدفنه بعض الرعاة دون أن يعرفوا شخصه. فظهر في رؤيا لأحد الأتقياء يدعى كارنيكوس وأخبره عن جسده لينقله إلى طردانوس بعد حوالي 60 عامًا من انتقاله.

الكنيسة الأرمنية تذكر له أربعة أعياد: طرحه في الجب، إخراجه من الجب، ظهور الرؤيا السماوية له، تذكار ظهور جسده؛ أما كنيستنا فتحتفل بإخراجه من الجب في 19 توت ونياحته في 15 كيهك.

نياحة القديس لوكاس العمودى
نياحة القديس حزقيال من أرمنت

قراءات شهر كيهك المبارك
خواطر بولس السجين في آخر أيامه
“أنا الآن أسكب سكيباً”
تأمل في قراءات الثلاثاء, 10 ديسمبر 2013-  14 كيهك 1730
اليوم الخامس عشر من شهر كيهك
الأب/ بولس جرس
نص القراءة

حيث يتناول إنجيل اليوم نص  “الحق الحق أقول لكم : إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف…” من (  يوحنا 10 : 1 – 16) نرى أن نلجأ لقراءة  نص الرسالة المؤثر  جدا والذي يتحدث فيه القديس بولس العظيم  بإحساس فريد عن خواطر سجين في آخر أيام حياته على الأرض وهو يُسكب سكيبا؛ لكنه يدخر قطرات غاليات من باقي انفاسه الثمينة ليستودعها أعز وأغلى الناس إلى قلبه… تلميذه تيموثاوس

“وأما أنت فقد تبعت تعليمي ، وسيرتي ، وقصدي ، وإيماني ، وأناتي ، ومحبتي ، وصبري واضطهاداتي ، وآلامي ، مثل ما أصابني في أنطاكية وإيقونية ولسترة . أية اضطهادات احتملت ومن الجميع أنقذني الرب وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون ولكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردأ ، مضلين ومضلين وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت ، عارفا ممن تعلمت وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة ، القادرة أن تحكمك للخلاص ، بالإيمان الذي في المسيح يسوع كل الكتاب هو موحى به من الله ، ونافع للتعليم والتوبيخ ، للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملا ، متأهبا لكل عمل صالح أنا أناشدك إذا أمام الله والرب يسوع المسيح ، العتيد أن يدين الأحياء والأموات ، عند ظهوره وملكوته اكرز بالكلمة . اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب . وبخ ، انتهر ، عظ بكل أناة وتعليم لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح ، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق ، وينحرفون إلى الخرافات وأما أنت فاصح في كل شيء . احتمل المشقات . اعمل عمل المبشر . تمم خدمتك فإني أنا الآن أسكب سكيبا ، ووقت انحلالي قد حضر قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الإيمان وأخيرا قد وضع لي إكليل البر ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم ، الرب الديان العادل ، وليس لي فقط ، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا بادر أن تجيء إلي سريعا لأن ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي ، وكريسكيس إلى غلاطية ، وتيطس إلى دلماطية لوقا وحده معي . خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة أما تيخيكس فقد أرسلته إلى أفسس الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربس ، أحضره متى جئت ، والكتب أيضا ولاسيما الرقوق. إسكندر النحاس أظهر لي شرورا كثيرة . ليجازه الرب حسب أعماله فاحتفظ منه أنت أيضا ، لأنه قاوم أقوالنا جدا في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي ، بل الجميع تركوني . لا يحسب عليهم ولكن الرب وقف معي وقواني ، لكي تتم بي الكرازة ، ويسمع جميع الأمم ، فأنقذت من فم الأسد وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني لملكوته السماوي . الذي له المجد إلى دهر الدهور . آمين سلم على فرسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس أراستس بقي في كورنثوس . وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضا بادر أن تجيء قبل الشتاء . يسلم عليك أفبولس وبوديس ولينس وكلافدية والإخوة جميعا  الرب يسوع المسيح مع روحك . النعمة معكم . آمين” “( 2تيموثاوس 3 : 10 – 4 : 22)

نص التأمل

اتصور نفسى جالسا في الزنزانة  الرطبة بأحد السجون الرومانية الرهيبة أنتظر تنفيذ حكم الإعدام…وادعوك للتصور معي حتى تستطيع أن تستشعر وتعايش وتستمتع بالتالي بالدخول إلى قلب  تلك النفس البارة وهذه الشخصية العملاقة…  أنا بولس بعد هذا الكفاح وذاك العمل الشاق الدؤوب وهذي الرحلات الطويلات الشاقة وتلك الأحداث العاصفة التي عاصرت وهؤلاء الأشخاص المهيبين الذيى قابلت وأوليك الآلف العديدين الذين هديت وتلك المحاكمات الشهيرة والمرافعات البليغة التي عايشت وهذه الرسائل العديدة التي سطرت وتلك التعاليم الرائعة السمو التي استقيتها من الرب سيدي ومعلمي…آه كما كان لقاءه حلوا وكم كان صوته عذبا وكم كان تأثيره قاطعا فانقلبت حياتي بعده راساً على عقب حتى صرت رمزا للتحول الجذري على مر العصور… اذكر لقائي بكيفا الصخرة وأذكر وقفته الخالدة في صفي وصالح الغنجيل يوم قاد القرار المجمعي الأول  بقبول المهتدين من الوثنية دون الإلتزام بقواعد الشريعة اليهودية… حقا لقد كانت معركة فاصلة … اتذكر أيضا من رافقوني من الإخوة الأحباء كما يحلو لي تسميتهم لوقا الطبيب وبرنابا وتيطس وسيلا وبرنابا…آه برنابا ولدي في الإيمان الأقرب إلى قلبي تختلف علاقتي به عن لآخرين جميعا كم أنا مشتاق إليه وكم افتقده… ساكتب إليه رسالة أستودعه فيها روح رسالتي وخلاصة خبرتي الرسولية وأطالبه بالحضور إلى ولو كلفه ذلك الكثير…لن يتأخر ولن يتواني لشعوره بحاجتي إليه في تلك اللحظات التي يفوق ألمها كل ما عانيت من اضطهادات وعذاب  ومن الجميع أنقذني الرب…لكني اليوم برغم قوتي وشجاعتي وصبري وثقتي وإيماني ومعرفتي بمن آمنت وأنه قادر ان يخلص وينقذ وديعتي… أشعر بالبرد، أشعر بالضعف، أشعر بالحزن لخيانة الأصدقاء وتجريحهم لشخصي ومحاولتهم المستميتة لشق صف المؤمنين تحقيقا لمصالح شخصية لاسيما إسكندر النحاس أظهر لي شرورا كثيرة… وحتى ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي ، وكذلك سافر كريسكيس إلى غلاطية ، ورحل تيطس إلى دلماطية “لوقا وحده معي” ما اجمل هذا الطبيب لقد جعله الرب يلسما لروحي في هذه الفترة الحرجة من رحلة حياتي.. . لا بأس في ذلك كله “فجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون”.

و”أما أنت… تتكرر هذه الجملة لعدة مرات في هذه الرسالة وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت…
وأما أنت فاصح في كل شيء. وأما أنت فاحتمل المشقات .  وأما أنت فاعمل عمل المبشر . وأما أنت فتمم خدمتك كلمات خاصة موجهة بصفة خاصة  إلى الإبن الحبيب ثيموثاوس الذي تتوق نفس الشيخ القديس فيناجيه ويخاطبه ويبثه أشجان قلبه بطريقة استثنائية مذكرا إيّاه بصور من طفولته العذبة: أمه، جدّته ونموه وشبابه، غيرته ومحبته، تضحياته وإخلاصه… مما دفع رسول الأمم لأن يسلمه زمام قيادة الكنيسة برغم صغر سنه…

بولس الذي يشعر بقرب النهاية بولس الذي يشعر بانحلال قواه الجسدية “فإني أنا الآن أسكب سكيبا ، ووقت انحلالي قد حضر ” يتذكر  إبنه الجبيب فتنتعش آماله وتعود فتنبثق الرغبة في الحياة فيطلب الرداء ليتدثر به من برد السجن والرقوق ليستكمل كتابة رسائله العظيمة بل ومرقص ليكون مصدر تعزية ومعونة…

للأسف لا نعرف بالقطع هل وصل التلميذ الحبيب قبل استشهاد الرسول المعلم والأب  ليحقق له تلك التعزيات البسيطة أم لا لكن على كل حال نستطيع أن نقول لذلك العملاق المقيد ” ان كلمة الله لا تُقيد وأن نهمس لها الشيخ أنه سيظل حيا وإن مات جسمه فروحه وتعاليمه وكلماته وعظاته وخطبه ورسائله مازلت نبراسا يضيء للبشرية ليلها …نم وارقد مستريحاً أبي بولس العظيم ” لقد جاهدت الجهاد الحسن  أكملت السعي ، حفظت الإيمان…  آراك في السماء متوجاً بأعظم الأكاليل.