عظة الأحد الثالث من بؤونة

يسوع يرد للإنسان إنسانيته التي افقده إياها الشيطان

بقلم  الأب / بولس جرس

راعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر

 

    خلق الله الإنسان كائنا ناطقا عاقلا على صورته و مثاله و توجه بالحرية …. و حيث كان الشيطان يرقب هذا الكائن النامي و المتنامي النفوذ عند الله ، حسده وأراد أن يجعل منه أضحوكة يلهو و يعبث بها . و بدلا من أن يكون صديق الله و خليله و كليمه وعوض النعمة التي تكسوه يجعله يشعر بالعرى و عون البهاء الذي يكلله يجعله يعيش الخزي

 والعار وعوضا عن أن يقبل إلى الله فرحا ، جعله يهرب فارا مذعورا وعوض الحوار جعل الصمت وعوض الكلمة جعل الخرس وعوض النور جعل العمى و عوض الصحة جعل المرض … حقا لقد  فقد الشيطان ادم إنسانيته و عراه من كل نعمة فصار طريدا شريرا و تحول إلى قاتل أثم ، كل من يجده يقتله …فهل يترك الله خليقته المسكينة ، وخليفته على الأرض في براثن إبليس ؟

 

كلا لقد جاء ليحرره و يرده إلى كرامته الأولى …تعالوا نتأمل نصوص هذا الأحد المبارك.

+ البولس : من الرسالة إلا ولى إلى أهل كورنثوس 4/ 1- 16

   يأتي الرب حتى ينير خفايا الظلام ويوضح أراء القلوب:

عمل الله في البشر هو الاستنارة ، ووجوده يكشف و يوضح خطايا الظلام ، الله نور ويتبعه ويسير معه فقط السالكون في النور لكن إبليس يريد أن يحتفظ بالجميع اسري الظلام ويقاوم كل عمل الله فيهم …جاء المسيح فأنار العالم "النور أشرق في الظلمة والظلمة لن تدركه"وقد جاء لينير لكل إنسان على الأرض ، وهكذا يحكم بولس على نفسه وعلى جميع أبناء النور أنهم مجرد خدام للمسيح ووكلاء لأسرار الله دون تكبر أو تفاخر أو ارتفاع باطل ، بل يعتبر نفسه "أقذار هذا العالم وأوساخ للجميع" في سبيل أن يربح جميع الناس لمعرفة المسيح وبالتالي الدخول من عالم الظلم إلى عالم النور.

 

+ الكاثوليكيون  : من رسالة بطرس إلا ولى 19/ 2- 8 

   كلام الله الموجود في ك.م ، كلام الأنبياء والرسل "كمصباح منير في مكان مظلم " يجب النظر إليه والاستفادة به والإصغاء لتعاليمه فلم تأت نبؤه قط عن إرادة بشر إنما تكلم رجال الله بإرادة الروح القدس وهكذا أنار الله العالم بالرسل و الأنبياء حتى ظهر النهار وأشرق كوكب الصبح وأزهر في القلوب وبظهور يسوع المسيح الذي يتمم مشيئة الله في خلاص البشر. فكل من يضلل البشر دينونته ستكون كدينونة الملائكة حين خطئوا حيث أسلمهم لقيود الظلمة .

 

 

+ الابركسيس من سفر أعمال الرسل 13/ 44- 49

   بما أنكم رفضتم كلمة الله وحسبتم أنفسكم غير أهل للحياة الأبدية …

يكرز بولس وبر نابا بكل قوة ويقدمان حياتهما للبشارة والكرازة والشهادة ليسوع المسيح

وتزداد مقاومة اليهود ورفضهم للنور "كلمة الله " فيتوجه الرسولان إلى الأمم مصدقين على الآية التي تؤكد " أنى جعلتك نورا للأمم لتكون للخلاص إلى اقاصى الأرض" وهكذا يؤكدان على أن كلمة الرب وعمله هما لخلاص الإنسان والعودة به إلى حيث الله وملكوته بعيدا عن الهالكين في ظلمة الجحيم.

 

+ المزمور : 60/2،6و8

أنت يأرب استمعت صلاتي : حياة الإنسان بعيدا عن الله ظلمة ودمار . صرخ الإنسان                                        فسمع الله صراخه.

 أعطيت ميراثا لخائفى اسمك:وأعطاه الحياة الأبدية بيسوع المسيح ميراثا للخلاص.

لذلك أشيد لاسمك إلى دهر الدهور: ففرح وانشد مجدا وإكراما لاسم الله مخلصه.

وافى لك نذوري يوما  فيوما: وصارت فرحته ذبيحة ونذرا يقدم بطريقة يومية.

 

+ الإنجيل من متى 12/22-  27  " اعمي واخرس وبه شيطان "

(مرقص 3/20- 30، لوقا 11/14-23 )

 

* خلق الله النور قبل كل شئ لأنه نور ومصدر كل نور وخلق الإنسان مبصرا ويميز

والعين التي هي الباصرة تساعد الإنسان على الحياة وتقيه شر التخبط والسقوط أنها وسيلة للتميز تحفظ له كرامته وحريته وحين يحرم الإنسان من البصر يفقد جزءا من إنسانيته ومقدرته وكفائتة…  الأعمى عمى العين بل عمى القلب وهكذا بسقوط الإنسان في الخطيئة صار أعمى لا يستطيع أن يبصر النور ومتى أبصره فر هاربا لذا ارتبط

العمى بالخطيئة " هل هذا اخطأ أم أبواه؟" والمسيح جاء ليحرر الإنسان من العمى.

* خلق الله الإنسان ناطقا اى قادرا على التواصل والدخول في حوار مع الله ومع الآخرين من إخوته وحين يفقد الإنسان النطق يخرس اى يظل صامتا اى يفقد القدرة على التواصل … ولقد أصاب الخرس علاقة الإنسان بالله من بعد الخطية فلم يعد الإنسان قادرا على التواصل واقتصر الأمر على بعض صرخات عجماء كصرخات هذا الأعمى الذي كان يسكن القبور رافضا الحياة مع الآخرين. وجاء المسيح ليرد له النطق والقدرة على الكلام والحوار اى ليرد له إنسانيته المفقودة، وحرره من الشيطان الذي لم يستطيع احد من التلاميذ أن يحرره منه لأنه وحده هو القادر على هذا العمل ومن ثم أوكل إلى كنيسته من بعده أن تتمم عمله في الخلائق.

 

* فالمسيح المحرر الوحيد من الخطيئة وسيطرة الشيطان ، وهب تلاميذه بالروح القدس هذه العطية " من غفرتم له خطاياه" وبهذا صارت الكنيسة علامة على حرية أبناء الله وسنين تقود أولادها نحو ميناء الخلاص…

* ها نحن نرى الإنسان المتخبط في ظلام العالم وعماه يبصر بعد أن قابل النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان آت إلى العالم .

ها نحن نسمع الإنسان الذي فقد النطق فتكلم بلسان فصيح معلنا مجد الله بعد أن كان صمته وعزلته مصدر خوف وفزع.

ها نحن نشاهد الإنسان حرا بعد أن كان للشيطان عبدا.

+ حقا يا يسوع انك نور العالم تفتح عيوننا على نور الله

+ حقا يا يسوع انك كلمة الله تفتح أفواهنا لنمجدك.

+ حقا يا يسوع انك المخلص و المحرر الذي اعتقنا من عبودية إبليس.

 

                       المجد لك يأرب يا اله القوة والنور والحرية.