والكنيسة الشرق أوسطية في إنتظار الإرشاد الرسولي
ياقادتنا العرب الأجلاء ..
السينودس صوت الحقيقة من أجل الحقيقة
المونسنيور بيوس قاشا
في البدء…
يمرّ العالم العربي بمخاض عسير بل مؤلم نفسياً قبل أن يكون حضارياً. وهذا المخاض الصعب يتطلب منا أن نكون واعين لرسالتنا، ومدركين جيداً إلى أين نتطلع كي نجد موقعنا في المكان الذي يجب أن يكون صحيحاً. كما إن هذا الموقف يدعونا إلى أن نتسلّح بمزيد من الدراية والحكمة والجرأة والشجاعة والنظر بعيون العقل، كي نكون أمام مستوى الأحداث من أجل خير الأوطان والإنسان، وحينها نقرأ الأحداث قراءة حكمية وعقلية عميقة لصالح شعوبنا ومؤمنينا ودور عبادتنا وكنائسنا، فتكون موضوعية البقاء، بعيدة عن الأحقاد، قديمة كانت أم حديثة الإنتاج، ومهملة للخطابات الجاهزة والكلمات والبيانات المتشنجة ساعتها، والإستنكارات اليومية غريبة اللغة كالتهديد والوعيد والقتل والتكفير والغيرة المميتة والرافضة للآخر، ومقاسمته الحب رغم عداوته، نزولاً إلى الآية المقدسة:"أحبوا أعداءكم" ( متى43:5).
قلق وهاجس…
ففي خضمّ هذه الأحداث الجارية يعيش المسلمون أيضاً في قلق وهاجس من الآتي كما هم مسيحيونا، إضافة إلى تساؤلات تمسّ وجودهم ووجودنا ، ألتزامهم والتزامنا، فيعلو الإستفهام، ويسأل مسيحيونا: أين نتوجه؟، وكيف نتصرف؟، أمانة منهم لرسالتهم ودورهم، ووفاءً لمسؤوليتهم، فَيَصِل النداء مسامعَ الرعاة في أن يكونوا أمناء لدعوتهم كي يبثّوا روح الرجاء في قلوبهم، وروح الأمل والشجاعة في مسيرتهم، للوصول إلى برّ الأمان عبر رسالة الخلاص،وليس عدم الاهتمام واللامبالاة ، ومعلنين للمؤمنين أن المسيحيين يعيشون ظرفاً إستثنائياً يؤثر على حاضرهم ومستقبلهم، ولكن عليهم أن يؤمنوا أن هذه كانت مسيرة المسيحية منذ نشأتها "يلقون ايديهم عليكم ويقتلونكم " (لو12:21)…
وإن هذه الظروف ليست عابرة بل مصيرية، وهذا ما يدعو شعوب المنطقة بمسيحييها ومسلميها العمل سوية على إكتشاف حقيقة المعاناة من شدائد وصعوبات وضياع.
المسيحيون أصلاء…
إن الحضور المسيحي إستمر مُشرِقاً وحاضراً في الشرق طيلة القرن الأول الهجري، ويقول توماس أرنولد (1830-1864) مؤلف كتاب "تراث الإسلام": إن المسيحيين تمتعوا بنجاح عظيم بفضل ما كفل الإسلام لهم من حرية الحياة والتملك والعقيدة، حتى كان منهم أصحاب النفوذ العظيم في قصور الخلفاء. كما تبوّأوا مواقع مهمة في الدولة، وتولّوا حركات علمية عديدة إلا في بعض أزمنة ، كما عمل المسيحيون على نشر الوعي وإقامة التوازن الإجتماعي والثقافي، وهم الذين إحتلّوا موقعاً رئيساً في بناء الحضارة العربية كمكوّن فاعل في العمل الإنساني والعملي. كما حملوا روح الديمقراطية والإنفتاح وقبول الآخر المختلف عنهم، وحملوا أيضاً الحريات العامة وحقوق الإنسان والنهضة العربية، فكانوا ولا زالوا كشجرة مثمرة لهذا الشرق المعذَّب، وينتمون إلى نفس النسيج والهوية في بلدانهم كونهم أصلاء في أوطانهم ذاتها…
وهذا ما أكده آباؤنا البطاركة مرات عديدة وعبر رسائلهم الأبوية الرسولية. والبابا بندكتس السادس عشر وصفهم في زيارته إلى قبرص عام 2010 قائلاً:"إن المسيحيين مواطنون أصليون، ينتمون حقاً وقانوناً إلى النسيج الإجتماعي وإلى الهوية ذاتها لبلادهم الخاصة".
تحديات عديدة …
تحديات عديدة تواجه المسيحيين في بقاع الشرق الأدنى والشرق الأوسط، حيث الأخوة العرب والمسلمون عبر التعصب الديني لبعض التيارات والمسار الأصولي الذي أخذ يمتد في مساحات هذا الشرق، وإنْ كانت كلمة الشكر واجبة للحريصين على العيش المشترك مع المسيحيين، وتقاسم الإنسانية والتسامح، إلا أن هناك التيارات المنغلقة التي أخذت تمتد جذورها في أسس الحياة اليومية، وهذا ما يتطلب من المؤمنين بشريعة قبول الآخر بالتسامح. فالتسامح في الإسلام يعترف بوجود الآخر وبالغير، المخالف ، فرداً كان أم جماعة، كما يعترف بشرعية ما لهذا الغير من وجهة نظر ذاتية في الإعتقاد… وهذا ما يجعلني أنشد أن الأديان لا تحمل إلا دعوة إلى التسامح والغفران، كما تدعو إلى الخير والعدالة والأخوّة ومحبة الإنسان "وإنّا جعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا"، من أجل تنمية وتعزيز المساحات الإنسانية المشتركة بين البشر أجمعين، وكأخوة في رحاب الله الواسعة… وتلك وصية آباءنا بطاركة الشرق الكاثوليك في رسالتهم عام 1991 إلى أبنائهم المؤمنين بأن يكونوا حاملين الرسالة بكل أصالة:"إننا بحاجة إلى أوطاننا لأنها بيئة دعوتنا ورسالتنا، وأوطاننا بحاجة إلينا كي نثريها بأصالة حضورنا النشط. فآفة الهجرة الخطيرة تنخر جسمنا وتعطّل مسيرتنا وتحرم كنائسَنا وأوطاننَا من عطائنا وإسهامنا وتعاوننا". فالمسيحيون متشبّثون في أرضهم، ويؤمنون بأن رسالتهم هي خير لهذه البشرية. فالحياة تقاس بالرسالة والهدف السامي وليس بالمردود المادي والعددي. وغياب الصوت المسيحي ووجوده سيسبّب في إفتقار المجتمعات المشرقية، وخسارة للتعددية التي ميزت هذه البلدان.
الله مشروع محبة …
ولكن، ويا للأسف، فالتاريخ يقول لنا أنه يشهد تقلصاً ملحوظاً لمساحات الآخرين ولمربعات المسيرة الإنسانية والعقائدية، وانغلاقاً _ أقولها ربما أنانياً _ وإنْ كان في خفايا الزمن بسبب وضع الله محجوزاً في قوالب التفكير الضيقة، بينما الحقيقة تكمن في أن يكون مشروع الله في حياة الشعوب مشروع محبة وليس مشروعاً لفَشَل الإنسان في العيش والحضور. وهذا ما يدعونا إلى أن ننتبه إلى الخطابات الدينية الجديدة الولادة وإلى مراجعتها كي تكون شاهدة للإنسانية في ضوء الإيمان بالإله الواحد، خالق الجميع، وإنْ كان لهذا الإيمان أشكالاً وتعابير مختلفة، فتؤدي بالنتيجة إلى خلل في الحرص على مستقبل المنطقة. ولننتبه إلى حيث التعصب اكان دينياً أم سياسياً أم إجتماعياً، والمتعطشين لدماء وأموال المسيحيين الأبرياء، وتكفيرهم، وهدم كنائسهم وبيوتهم… والتاريخ مليء وشاهد على أن الهجمات المتكررة قد ألقت بضلالها السوداء على الأيام التي أعقبت سينودس كنائس الشرق الأوسط، والهجوم على كنيسة سيدة النجاة.
الزمن سلاح فتّاك…
إن شرقنا موزائيكي بأديانه وأناسه، وتعددي بطقوسه وتقاليده، وهو حاضن لإلهام الرسالات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، وفقدان أية واحدة من هذه سوف يفقد غناه وتنوعه وفرادته ورسالته وحتى وجوده، فيتخلخل البنيان وربما يسقط إذا ما صدمته رياح الحقد والكراهية القاتلة (متى 7: 27)، كونه مبنيٌ على رمل الزمن (متى 7: 26). وفي ذلك تجد الفتنة أرضية مهيأة فتجرّ فتنة أخرى، وهكذا تموت الإنسانية بسبب أشخاص باعوا أنفسهم لأنانياتهم، ونكروا الحقيقة بغيرتهم وحقدهم عبر أصوات تستهوينا فيها لغة الأفاعي وكلام الحيات، فيضيع جوهر الكيان، وتبدأ بتدمير الذات قبل الجار، ويرتفع الحديث عن الهوية، فيتراجع التنوع في المجتمع… فلننتبه، كون مسيرتنا الزمنية ستتبعثر، وينفتح باب الضياع على مصراعيه، والزمن سلاح فتّاك بأبنائه، ولا يستثني من هذا المصير أحداً. فهناك منظمات أو أناس تختفي وراء لافتات إنسانية أم أخرى، لكنها في الحقيقة تحاول إفراغَ مجتمعنا، بل عراقِنا، من المسيحية وغيرها… وهذه حقيقة، وربما كثيرون لا يريدون إعلانها، إذ يقول غبطة البطريرك بشارة الراعي:"هناك أناس لا يريدون أن نقول الحقيقة، ولي حق أن أقول ما أراه مناسباً ما دمتُ حياً. ويجب على العالم أن يعي ما يجري من حولنا. أنا لستُ ضد أحد. أنا مع كل الدول والشعوب. ولكن لا أريد أن نرى أنفسنا نُذبح كل يوم أمام مصالح وسياسات دولية".
نعم، لا يجوز إستسهال الإعتداء علينا، فنحن لسنا غرباء عن هذا المجتمع بل اصليون فيه. لذلك نقول للحكّام في العالم العربي: نحن نريد أن نعيش سويةً باحترام متبادل. فالمسيحيون لم يلعبوا ولو مرة واحدة دوراً معادياً ضد أي دولة. والجميع يقولون إننا مواطنون صالحون. فلماذا يريدون قتلنا؟."
الإسلام إخوة …
إن موقف قداسة البابا بندكتس السادس عشر تجاه الأخوة الإسلام ينطلق من تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني، وبالتحديد ما جاء في الوثيقة "في عصرنا" التي تقول:"تنظر الكنيسة بعين الإعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد، القيّوم الرحيم، الضابط الكل، خالق السماء والأرض، المكلّم البشر. ويجتهدون في أن يخضعوا بكليّتهم لأوامر الله الخفية، كما يخضع له إبراهيم الذي يُسند إليه _ بطيبة خاطر _ الإيمان الإسلامي، ولأنهم يجلّون يسوع كنبي وإنْ لم يعترفوا به كإله، ويكرمون مريم أمّه العذراء، كما إنهم يدعونها أحياناً بتقوى. وعلاوة على ذلك إنهم ينتظرون يوم الدين، ويؤدّون العبادة لله لاسيما بالصلاة والزكاة والصوم".
وهذا ما يظهر جليّاً في دعوات قداسة البابا، وفي مناسبات مختلفة، وكلماته الحية أمام حشد كبير بمختلف الجنسيات زاد على 250 ألف في إقليم بافاريا عام 2005، فهاهو يدعو المسيحيين إلى الإنفتاح والتقرب من المسلمين خاصة، لعلمه ومعرفته العميقة بما هو مشترك من إيمان ومبادئ وقيم إنسانية بين الديانتين. ويضيف قائلاً:"إن الحوار بين المسيحيين والمسلمين يجب ألا يتحول إلى خيار موسمي، بل إلى دروب المصالحة والعيش ضمن إحترام هوية الآخر"… كون التعايش الإسلامي _ المسيحي في الشرق كان نموذجاً ولا يزال رغم الحروب التي حصلت في الغرب والشرق. لذا فالوعي والإدراك الصحيح مهم جداً، واضعين المزاج العصبي جانباً لأن نتائجه وخيمة على الجميع بل خطيرة. وما يلزمنا هو أن نتمسك بالتأني والتأمل والتمهّل في الإجابة، وعدم التسرّع باتخاذ أي قرار. فنحن كلنا أخوة ولا زلنا، وإذا أفسدنا أخوّتَنا سيأتي يوم نحتاج إليه بعضنا إلى بعض.
الأديان ودماء الأبرياء …
وفي هذا أقول: لتبقى دماء الأبرياء شهادة لمسيرة الحياة والرجاء. فالأبرياء هم مسيحيو ومسلمو وطننا وطوائف أخرى، ودماؤهم تدعونا اليوم لبناء المجتمع الجريح من خلال المحبة والقيم، كي لا يبقى المواطن المسكين والمؤمن البسيط عاجزاً أمام ما يحلّ في هذه الدنيا من بلايا، وما يتفجر من إنحرافات وأصوات داعية لقتل الآخر وخاصة المسيحي. فالمسيحيون في الشرق ثمار للجياع، ولا يجب أن يُنظر إليهم بقصر النظر بل بحقيقة وأصالة الوطن والمواطن، كونهم شركاء لجميع أبناء هذا الوطن، ولا يريدون أحداً أن يعاملهم كأقليات أو جاليات أو طوائف من أجل الإعتداء عليهم وتسهيل ترحيلهم وتهجيرهم، بل أن يُمنَحوا حرية ضميرهم وإيمانهم وعباداتهم،فالحرية هبة من رب السماء وليس من حكّام هذا الزمن. فالحرية أننا جميعنا أبناء الله (يو 35:13)، خلقهم بحبه ومن أجل حبه، وعلى الصالحين والحاملين رسالة المحبة والسلام من الأخوة المسلمين أن يحاربوا ويقفوا بوجه أناس متطرفين، أو جمعيات تدعو إلى زرع الفتنة والحقد والكراهية تجاه شريحة عملت على بناء الوطن، وسكب أبناؤها دماءَهم حباً من أجل هذا الوطن.
فهمّنا أن لا تعيش الأديان كمأساة أو كواسطة لتدمير الآخر، بل كوسيلة وكرسالة تحرير، يكتشف من خلالها المسيحي مجال الكرامة الإنسانية التي تجمع بينه وبين أخيه المسلم في الشراكة في ما وهبه الله لمقاسمة العيش الواحد. فالمسيحيون والإسلام شعوب ومؤمنون، وليسوا أحزاباً، يتحاربون ويتقاتلون، ولابدّ من ممارسات نقد حقيقية لوسائل العمل وطريقة الخطاب الموجَّه قبل أن نعود لنتوجه إلى المسيحي المهاجر والمهجَّر، البقاء في أرضه والتشبّث بمشرقيته، وصدّ الهجمات الظالمة والمستبدّة، وإيقاف التطرف الديني المرفوض أصلاً ومن أي إنسان كان.
فالدين هو العلاقة بين الإنسان والله وبين الإنسان والإنسان. والتسامح الديني رسالة كتابية وصريحة لأبناء الديانات السماوية "لهم دينهم وطقوسهم، لهم علاقتهم الدينية" (القرآن الكريم). والخضوع والخنوع غير مجاز، وقبول الضربات وحالات التهجير ممنوعة، ومن المؤسف أن عقدة الخوف تأصلت في قلوب كثير من أبنائنا المسيحيين الأصلاء الذين جعلتهم ذبيحة ومذبحاً.
فاليوم لسنا بحاجة إلى بيانات واستنكارات ودعايات وسينات وسوفات وهيئات وقيادات وحركات تطبع الحياة بختم النسمة والنفحة. وفي الحقيقة ما هي إلا طبول فارغة لإسكات الضمير الأعمى، وغلق العيون التي لا ترى، وملئ البطون التي أُتخمت، ويبقى المسيحي الأمين يشبع من فتات المائدة (لو21:16).ويُصلب على خشبة العار .
واليوم …
نعم فاليوم لسنا بحاجة إلى الكماليات بل إلى الضروريات، فكبار الزمن وأهل الملكوت يُطرَدون خارجاً (لو24:14)، كون الشر غلب الجميع، والأنانية واللامبالاة والمصالح والكبرياء ملكت على القلوب… وهذه هي الخطيئة الكبرى. وسنبقى أمناء لعيش الايمان بالمسيح بن مريم (عيسى الحي) الذي يعيرنا ثوبه ليغدو هو العريان ونحن المستورين، ينفح فينا حرية الأبناء ويقبل حكم العبيد، ينحني لسلطان الموت وهو سيد الحياة.
السينودس صوت المحبة والشراكة…
إن السينودس يقدّر ويحيّي الجهود الذي يبذلها حكّامنا الموقرين وقادتنا السياسيين الاجلاء من أجل الخير العام ونمّو مجتمعاتنا، سائلاً الله أن يُلهم ويسدّد خطاهم. وقد أعلن أباء السينودس في إجتماعاتهم صراحة "بأن المسيحيين مواطنون أصليون وأصيلون. يعيشون في الولاء التام لأوطانهم، ويؤدون واجباتهم الوطنية كاملة. فمن الطبيعي أن يتمتعوا بكامل حقوق المواطنة ومنها حرية المعتقد وحرية العبادة والتربية والتعليم واستخدام وسائل الإعلام".
إن السينودس بآبائه المجتمعين أعلنوا لحكّامنا وقادتنا السياسيين بأنهم معهم من أجل تحقيق سلام عادل ودائم، والحدّ من سباق التسلّح، مما يوأدوا إلى الأمن والإزدهار الإقتصادي من أجل توقيف نزيف الهجرة التي تفرغ بلداننا من قِواها الحية… فالسلام هبة ثمينة من الله للناس".
إن الرجاء يملأ قلوبنا قوةً وعزماً أيها السادة الحكّام العرب، ونحمل إليكم رسالة آباء السينودس الذين قرروا _ مع قداسة الحبر الأعظم _ أن يتقاسموا مع شعوبهم مسيرة حياتهم في المواطنة الصالحة والأصالة الأمينة… فما أجمل أن تتدارسوا هذه الرسالة، وتحملون التوصيات في إجتماعاتكم في الجامعة العربية والمؤتمرات الإسلامية والمنظمات الحكومية والسياسية من أجل مسيرة بناء موحَّدة في تقاسم الحياة وبناء الأوطان، وتثبيت الأبناء الأصلاء في أرضهم، ودعوتهم إلى العودة من مهجرهم، ليكونوا للوطن بُناته، وللإنسانية شعارها. فالرب يدعو الجميع في أن يكونوا في مسيرة الحوار كونه يقرّب بين الأذهان والقلوب من أجل مصير واحد، وعبر مفهوم المواطنة وكرامة الشخص البشري في القيم الدينية التي يحملونها.
نعم إن للسينودس رسالة سامية، حملتها الكنيسة عبر قداسته وآبائها ، لتكون وفية للإنسانية وللأديان السماوية ومؤمنيها، وأمينة لرسالة المحبة. وكم كنا نتمنى نحن البسطاء أن نسمع ونقرأ ردود الأفعال الأخوية من حكّام منطقتنا الأعزاء وقادتنا السياسيين الأجلاء ، من جميع رؤوساء المنظمات العربية والإسلامية، منطلقين من مبادئ القرآن الكريم أنه لا إكراه في الدين، والدعوة الى كلمة سواء .. ولتجدن مودة إنا نصارى… ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، حاملة إلينا الطمأنينة للثبات في الأرض والوطن وعدم تركها، ومهما حصل فلا زالت الطريق طويلة… فكفى دماءً فقد جاء وقت البناء، وإن كنا لا زلنا في إنتظار والامل أعتى سلاح للمحبة ، والأيام القادمة ستشهد زيارة قداسة البابا الى منطقتنا الشرق أوسطية في لبنان ليحمل إلى ابناء المنطقة من مسلمين ومسيحيين بشرى الأمل في حياة كلمة السينودس عبر الأرشاد الرسولي .
إنّ علاقاتنا مع الأخوة المسلمين تكمن في الإيمان بالله الواحد، والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر… إننا أخوة، والله يريدنا أن نحيا معاً، متحدين في الإيمان بالله الواحد ووصية محبة الله ومحبة القريب. معاً نعمل على بناء مجتمعات مدنية مبنية على المواطنة والحرية الدينية وحرية المعتقد. نتعاون لتعزيز العدل والسلام وحقوق الإنسان… إن مسؤوليتنا مشتركة في بناء أوطاننا… فمنذ ظهور الإسلام في الشرق الأوسط في القرن السابع وإلى اليوم نعيش معاً ونتعاون. لقد حصل في الماضي وقد يحصل اليوم أيضاً بعض الخلل في العلاقات بيننا، فعلينا بالحوار أن نزيل كل سوء فهم أو خلل كما يقول قداسة البابا بندكتس السادس عشر… ليس بيننا أمراً عابراً بل هو ضرورة حيوية يتعلق بها مستقبلنا. فمن واجبنا تربية مؤمنينا على الحوار الديني وعلى قبول التعددية الدينية وعلى الإحترام والتقدير المتبادَلَيْن.
ومما جاء في توصية رقم 24 لسينودس كنائس الشرق الوسط : "لقد ارسى المجمع الفاتيكاني الثاني أسساً لعلاقات الكنيسة الكاثوليكية مع الأخوة المسلمين تنطلق من المساواة في الحقوق والواجبات وعبادة الخالق الواحد رب السماء والأرض، وكرامة الشخص البشري. كما يوصي: وبما أن المسيحيين والمسلمين يشاركون ويتقاسمون معاً الحياة والمصير، فهم معنيون عبر الحوار في بناء المجتمع وتعزيز مفهوم المواطنة وكفل الحرية الدينية للفرد والتي تتضمن حرية العبادة والضمير ".
كما أكد قداسة البابا بندكتس السادس عشر في كولونيا 20/8/2005، قائلاً: لا يمكن للحوار الديني والثقافي بين المسلمين والمسيحيين أن يقتصر على خيار عابر لأنه في الواقع حاجة حياتية يرتبط بها مستقبلنا إرتباطاً كبيراً. لذا على المسيحيين في الشرق الأوسط أن يثابروا على حوار الحياة المثمر مع المسلمين، وينظرون إليهم نظرة تقدير ومحبة، ورافضين كل أحكام سلبية مسبقة ضدهم، وإنهم مدعوون إلى أن يكتشفوا معاً القيم الدينية عند بعضهم البعض، وهكذا يقدمون للعالم صورة المحبة والتعاون المثمر بين الديانتين من خلال مناهضتهم المشتركة لكل أنواع الأصولية والعنف باسم الدين، ونبذ التطرف والتعصب بل القبول المتبادل بعضهم لبعض من أجل مجتمع جديد، حاملين الغفران المتبادل وروح التعاضد من اجل مستقبل مشترك.
ألا يكفي ظلم وهضم حقوق الشعوب المسالمة؟. فلنحنِ قاماتنا لنكون جسورا من أجل عبور متبادل دون حواجز كونكريتية وبشرية مدمرة ، فالسينودس صوت الحقيقة من أجل الحقيقة في الحوار والشراكة والعيش المشترك وتبادل الاحترام في حرية العبادة والايمان ، ومن المؤكد أنّ حكام بلداننا الأعزاء واعون الى خطورة المسؤولية التي يحملونها تجاه شعوبهم ومن الؤكد سيكونون أمناء لهم ، وصوتنا نحن المسيحيين في الشرق ما هو إلا صوت الكنيسة عير السينودس وارشاده الرسولي ، إنه صوت المحبة وا أجمل المحبة حينما تتجسد فينا " أحبوا بعضكم بعضاً" ( يو 34:13) .
ختام وصلاة …
لا، لا، لاتسمح يا رب بأن نتنكر للآخر القريب… فقد بكيتَ لبكائنا وفرحتَ لفرحنا، وجُرحتَ لأجل معاصينا، وغدوتَ بلا هيئة ولا منظر من أجل إشراقة القداسة في وجوهنا… طهّر يا رب عيوننا ونوايانا، فتنكشف طريق الملكوت جليّاً أمامنا، ونرث ممتنّين ما أعدّه رب السماء لعائلة البسيطة المباركة، وأجعل إلهام السينودس يعمل في نفوسنا من أجلِ غيرنا ، نعم وآمين .