الاحد الثالث من توت- زكا العشار

لو 19\\ 1- 10

للاب هاني باخوم

 

في هذا الانجيل يدخل يسوع الى اريحا وهي مدينة تقع تحت سطح البحر ب 240 متر، اي ابعد مدينة عن السماء، كانت مشهورة باسوارها الحصينة والتي كانت تحميها ثم سقطت على يد شعب الله ايام يشوع بن نون.

 حسب احد التقاليد اليهودية، أدم بعد الخطيئة وخروجه من الفردوس ذهب وعاش في اريحا. وفي اريحا كان يوجد زكا، ومعنى اسمه بالعبرية يتذكر وايضاً البار.

 زكا هو رئيس العشارين ويجمع الضرائب لصالح الرومان، كان مكروها من اهله وشعبه نظراً لمعاونته للعدو الروماني في ذلك الوقت. رجل غني وله سلطان. هذا الغنى والسلطان لم يكونا كافيين لاشباع زكا. فزكا يحمل في اعماقه رغبة لشىء اخر يرغب ان يرى شيئا جديدا، يرغب ان يرى المسيح. تتقد في زكا تلك الرغبة لدرجة انه ينسى مكانته ووضعه الاجتماعي ويتسلق جميزة ليرى يسوع.

 نعم هي رغبة من اختبر ان يُشبع نفسه بالمال وبالسلطان وبكل ما يحيطه وفي كل مرة يجد انه اكثر جوعاً مما سبق. هو يحاول ان يملأ هذا الفراغ الذي يشعر به في اعماق نفسه بالمال، بالضمانات وبالسلطة ولكنه يختبر انه اكثر فراغاً. زكا هو ادم ثاني، هو انا وانت، هو شخص حاول ان يصنع حياته بنفسه، بقوته،بالمال وبالسلطة وما يتبعانه ولكن يجد في اعماقه فراغا ورغبة لشىء اعمق. يشعر بالرغم مما لديه انه غير راضٍ. يجد نفسه يحيا في اعماق اريحا اسفل موضع على الارض وابعد موضع عن السماء.

عدم الرضى يصبح دافعا لشىء اعمق. فالانسان يختبر كل يوم انه غير راضٍ ويرغب في المزيد. يريد ان يتعلم ويتزوج ويستقر وينجب ويربي اولاده و و و وكل مرة يحقق شيئا يشعر برغبة لشىء اخر. وقد يمضي حياته في هذه الدائرة المغلقة من شىء الى اخر، من عمل الى اخر من علاقة الى اخرى من والى ولا يحمل معه بعد ذلك الا عدم الرضى والشعور بان شيئا ينقصه اكثر من الاول.

هذا الشعور يدفع زكا لرؤية يسوع. فيرى المسيح. لا بل يراه المسيح ويدعوه باسمه فهو يعرفه، فلأجله قد نزل من السماء الى اسفل اسافل الارض كي يدخل بيته ويأكل معه، اي ليشاركه حياته دون ان يطلب منه شيئا. الله لم يترك ادم وابناءه وحيدين في اريحا. الله يتذكر وعده بالخلاص ولا ينساه. اسم زكا يعني تذكر، فالله يتذكر زكا ولا ينساه يرى الامه وان كان مَن حوله لا يرونها، مَن حوله يرون انه شخص ظالم، سارق، غني وله سلطان ويتنعم بكل شىء. الله في يسوع المسيح لا ينخدع من غنى الانسان فهو الذي خلقه ويعرف ان الانسان لن يرتاح الا اذا تقابل معه.  نعم لن يرتاح وإن كبر وعظم واغتنى.

وتلك المقابلة ودخول المسيح في بيت زكا تجعل منه شخصا جديدا. المسيح لا يطلب منه شيئا بل هو الذي يعلن انه سيعطي نصف امواله للفقراء وانه سيعوض اربعة اضعاف لمن سرقه. لقد عرف بنفسه ماذا يجب ان يفعل بعد ان وجد ما كان يبحث عنه بعد ان وجد الشىء الذى لم تعطيه اياه الاموال او السلطة. ماذا وجد؟ المسيح، حب الله له وهو خاطىء، المغفرة. اي وجد شخصا يحبه كما هو بكل ما يحتويه من عيوب وخطايا وجد شخصا لا يتطلب منه شيئا الا ان يستقبله في بيته. وامام هذا يتحول زكا ويتوب. يصبح بارا بالفعل كما يدل اسمه بالعبرية. يصبح شخصا جديدا لم يعد يسرق فحسب، بل يعطي ما لديه ايضا. مقابلته للمسيح ومغفرة وحب الله له جعلا منه انسانا لا يخاف على مستقبله وحياته حتى يجمع الاموال والخيرات. جعلت منه انسانا سعيدا قادرا ان يعطي كل ما لديه لانه وجد كل ما يرغب فيه.  في العمق الانسان – وان لم يعي ذلك او لا يصدقه- يرغب ان يرى المسيح، ان يتقابل مع مغفرة وحب الله له. هذه هي رغبة الانسان وان كان لا يدركها.

فمن يشعر اليوم بعدم الرضى، ويبحث عن شىء اعمق، عن شىء جديد. انجيل اليوم خبر مفرح له. لا نتشكك من عدم الرضى الذي نختبره في اغلب الاوقات، هذا الشعور ما هو الا رغبة ان نلاقي شيئا اعمق مما لدينا، شيئا يعطي معنى لكل ما لدينا. فالحل ليس بتغيير ما لدينا بشيء جديد، بل الحل هو ان نترك انفسنا نتلاقى مع من له القدرة ان يجعل كل شيء لدينا جديد. كيف؟ زكا يختبر انه قصير القامة ولا يستطيع. اي ان قوته الذاتيه لا تستطيع ان تجعله يرى المسيح. ونحن ايضاً لدينا الرغبة ان تتغير حياتنا، ان نرى بعمق المسيح ، اي مغفرة الله، لكننا نختبر اننا قصار القامة بل اقزام، في اوقات كثيرة نرغب لكن بقوتنا لا نستطيع. نحتاج نحن ايضاً الى جميزة لكي ترفع قامتنا لنرى هذا الحب وهذه الرحمة. فما معنى الجميزة واين نجدها؟ هذا ما سنراه في الاحاد القادمة.

احد مبارك.

 

للاب هاني باخوم