تامل فى مثل الزارع عقم الإنسان وسخاء الله

 " لو 8 /4- 15"

تشكّل الأمثال وسيلة معروفة في زمن يسوع، وهي مستعملة كثيراً عند الربّانيين. لذا يتبع يسوع طريقة تعليم كانت معروفة آنذاك، ولكنه يعطي هذا التعليم مضموناً جديداً.كما يعتبر يسوع الأمثال التي يستمدها من الحياة اليومية، سبيلاً جيداً لإفهام الشعب كرازته.
كان يسوع يتوقع أن تدخل الأمثال مباشرة إلى أذهان السامعين بدون جهد خاص يبذلونه. لكن ما حصل، حسب رواية الإنجيليين، هو العكس: لم يفهم "الذين حوله مع الاثني عشر" مثل الزارع، بل سألوا يسوع مباشرة عن معناه فأجابهم: "قد أُعطيَ لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله. وأمّا الذين هم في خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء…"
فتوحي لنا رواية المثل بأن ثلاثة أرباع عمل الزارع يلقى أرضاً غير مثمرة بينما الربع فقط يصادف "أرضاً جيّدة"، مع العلم إنه لم تحدَّد ضرورة اتساع رقعة الأرض الجيّدة بالنسبة إلى الأرض المجدبة. على كل حال تصف معظم آيات المثل فشل الزرع.
حماسا عند سامعيه للوهلة الأولى. لكن سرعان ما ظهر خطّ آخر يتميز بالشك والتردد والاعتراض والرفض. من الواضح انه عندما يدخل ملكوت الله بشكل مباشر إلى العالم، لا بد له من أن يواجه مقاومة قوية. وهكذا اختبر يسوع أن إعلان البشرى السارة، عندما تتوجه إلى الإنسان، لا تجد فقط جواباً إيجابياً، إنما تجد أيضا معارضة ومواقف عنيفة، لا سيما من قِبَل الأشخاص المتوقّع أن يكونوا أول القابلين لهذا الإعلان، أي الأشخاص الأتقياء والكتبة والفريسين.
إن السيد المسيح في مواجهته للفشل، لا يقبل حالة العدائية أو الإحباط. وبقوة طبيعته الإنسانية الغنية، كونه أيضا ابن الله، يعلم إن من يدخل في تاريخ البشر، بغض النظر عن أرادة الإنسان الحسنة أو الشريرة، يعيش في نسيج ملئ بالشك والريبة والغموض والفشل على المستوى الفردي والجماعي، ويقبل هذا الواقع باتزانه المعهود.
و في مواجهة الفشل في مجالات التعليم والعمل الاجتماعي والكنسي سرعان ما نتهم نحن الآخرين أو نُحبط. وعندما نرى أن "الزرع" الذي نزرعه والذي نظن أنه جيّد، لا يثمر بالقدر الذي ننتظره، نبدأ بتفسير ذلك سلبا ونلقى التهمة على الواقع وعلى الأشخاص الذين يحيطون بنا، أو ندخل نحن في أزمة هويّة شخصية.
لا يشك يسوع في رسالته أو في الأشخاص ولا يتشاءم. ذلك أنه يعلم أن عمل أبيه السماوي سيثمر يوماً ما. ومن خلال طبيعته البشرية وهو ابن لله، يقبل أن يسير مع البشرية في طريقها البطيء للوصول إلى الهدف.
لذلك يحثّنا هذا المثل على زيادة ثقتنا بالله وعلى أن ندرك أن "بذرة" ملكوته ستثمر.وأن النجاح سيكون حليفه في النهاية بالرغم من ضياع بعض ما زرعه. هكذا يجب أن تكون ثقتنا بالله: فإن خرج الله ليزرع في شخص يسوع الإنسان، وما زال يزرع اليوم وبشتّى الطرق، فعلينا أن نكون واقعيين لا شك وأن ندرك صعوبة العمل، لكن علينا أيضا إن نكون مؤمنين واثقين كما كان يسوع لأننا نعلم أن قدرة الله ستعطي ثمرها عاجلا أم آجلا. هذا الرجاء هو أساس الجهد الذي نقوم به مرارا ًوتكراراً لتغيير الواقع المعاش في حياتنا وفي حياة من حولنا وحياة جماعاتنا المسيحية.
دعوتنا أن نُصبح تربة بلا صخور ولا حصى أو أي شيء يُعيق نمو الغرس. تربة مُعدَّة تماماً لاستقبال مشيئة الله وكلمته برضي وفرح.يُطرح علينا المثل السؤال التالي: ما هو معنى الحقيقي أو هدف المثل الرئيسي؟
ربما يريد يسوع، عن طريق هذا المثل، أن يعلّم أن كرازة الإنجيل لا بدّ أن تلقى العثرات والفشل، وهكذا يهيئ تلاميذه بصورة مناسبة لكي لا ييأسوا من الفشل بل أن يتابعوا عملهم بإيمان وصبر. وهنالك ناحية أخرى يضعنا فيها المثل وهي التذكير بالثمار الأخيرة للأرض الجيّدة والتي تفوق كل توقع سابق وكل قياس بشري.
إن ما يريد يسوع أن يعلّمه بصورة رئيسية هو: أن نجاح كرازته، وبالتالي كرازة الكنيسة، يتعلق في النهاية باستعداد السامعين وتجاوبهم. إن كلام الإنجيل لا يثمر دائماً، فهذا يعود إلى نفوس الناس التي لا تشكّل كلّها "أرضاً جيدة". لا يعود فشل الكرازة الجزئي (وليس الكلي) إلى ضعف الزرع أو إلى ضعف نشاط الزارع بل إلى نوعية الأراضي التي يُلقى فيها الزرع.
يحدثنا المثل عن النجاح والفشل الذي يمكن أن يعترض ملكوت الله عند دخوله العالم من خلال أعمال يسوع وتعاليمه. كما نفهم أن المشكلة الوحيدة في المثل هي الفشل، لأن المثل يجبرنا على التفكير في الأسباب التي تؤدي إليه.
عندما بدأ يسوع يعلن عن ملكوت الله، أثار

 
اعداد
الاب رومانى امين اليسوعى