تأملات: الشاب الغني

للاب هاني باخوم

 

"اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني". انجيل هذا الاحد هو انجيل الشاب الغني. هذا الشاب يقترب من المسيح ويسأله ماذا افعل كي أرث الحياة الابدية؟ ويرد عليه المسيح ويسرد له اولاً بعض الوصايا.  فيرد الشاب ويقول انه قد حقق كل هذه الوصايا منذ صباه. فيجيبه المسيح ويقول له: ينقصك شء واحد " اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني". فذهب الشاب حزيناً لانه كان ذو مالٍ كثير.

ما أغنى واعمق هذا الانجيل، نستطيع ان نذكر ونقول اشياء كثيرة؛ عن ارتباط الشاب الغني بالمال، عن حزنه، عن حديث المسيح له…..

لكن ما استوقفني هذه المرة هو ان الشاب يسأل: ماذا افعل لارث الحياة الابدية؟ الشاب يبحث عن الحياة الابدية، ويعرف انها حياة يرثها بعد الموت، اي انها شىء مرتبط بالحياة القادمة. الحياة الابدية هي حياة تخص المستقبل والعالم الآتي. ويرد المسيح بطريقة غريبة: "اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني". اي ان المسيح لا يقول له ماذا يجب ان يفعل كي يرث الحياة الابدية. بل يقول له ماذا يفعل كي يرى ويتذوق الان تلك الحياة الابدية. المسيح لا يضع امامه شرط كي يكسب الحياة الابدية، بل يضع امامه الطريق كي يختبر تلك الحياة ويحياها منذ الآن. نعم منذ الآن فالحياة الابدية هي بالفعل حاضرة. يسوع المسيح لا يدعو الشاب ان ينتظر شيئا في المستقبل بل ان يبدأ يتنعم الأن من تلك الحياة الابدية، نعم الآن. ان يتبع المسيح، ان يسير وراءه، ان يسير على خطاه، تلك هي الحياة الابدية التي من الممكن ان نتذوقها الآن.

ان نتبع المسيح، هذا الانجيل ليس موجه فقط للكهنة او للراهبات او للمكرسين، هذا الانجيل هو دعوة لكل مسيحي، لكل من يرغب ان ينعم بتلك الحياة الابدية، الكل!! اينما كانوا وكيفما كانوا يستطيعون ان يتبعوا المسيح.

شىء واحد مهم: ان نبيع ما نمتلك ونعطيه للفقراء. فالحياة الابدية تكمن في ان الانسان يختار الله ويضعه قبل كل شىء، قبل ممتلكاته وعواطفه ومخططاته ويتبع المسيح.

هذا الانجيل هو خبر مفرح، دعوة وطريق لمن يرغب في الحياة الابدية. لكن هناك شىء اخر. هذا الشاب لا يقبل تلك الدعوة. فماذا يحدث؟ يمضي حزيناً. قد يفسر حزن هذا الشاب حزننا في اوقات كثيرة، في مواقف كثيرة. في كل حدث من حياتنا توجه لنا تلك الكلمة: "اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني" وامامه اما نثق ونطيع او نمضي مثل هذا الشاب. نمضي بحزن.

هذا الانجيل هو خبر مفرح لمن يشعر اليوم بالحزن، فليعرف ان عمق الحزن ينبع من تمسكه بما يمتلك، بكل ما يمتلك، وانه يستطيع اليوم وبقوة تلك الكلمة ان يخلص، ان يختبر تلك الحياة الابدية، لان ما هو مستحيل للبشر ممكن لدى الله.

احد مبارك.