بشارة زكريا (لوقا 1: 5- 25)

 

للاب هاني باخوم

 

"كان في أيِّام هيرودس ملك اليهودِيّة كاهنُ اسمه زكريا…، له امراة اسمهُا اليصابات، وكان كلاهما باراً عند الله، تابعاً جميع وَصايا الربَّ وأحكامه، ولا لوم عليه. لم يكن لهما ولد لأن اليصابات كانت عاقراً، وقد طعنا كلاهما في السن."

هكذا يبدأ الانجيل: زكريا هو كاهن ومتزوج من اليصابات وكلاهما كان باراً. الانجيل لا يتوقف هنا بل يستمر، يفسر فيما يَكمُن هذا البر؛ في انهما كانا تابعين لجميع وصايا الرب واحكامه، وليس فقط هذا بل لا لوم عليهما، اي لا احد يستطيع ان يلومهما بشىء. فهما ليسا فقط تقيين ومتممين للشريعة بل واكثر. ها هما زكريا واليصابات بارين في عيني الله والبشر.

 وهنا يستمر الانجيل ويذكر شيئا غريبا!! شىء ينفي كل ما ذُكر من قبل!! شىء لا يتفق مع ما سبق!! فالنتيجة الطبيعية، على الاقل لنا، لمن هو مبارك وبار امام الرب، ان ينعم بحياة، لا اقول سعيدة بل على الاقل عادية. الانجيل يقول " لم يكن لهما ولد لأن اليصابات كانت عاقراً، وقد طعنا كلاهما في السن". نعم لم يكن لديهما ولد، لان اليصابات كانت عقيمة.

العقم في العهد القديم هو علامة لعنة وفي اوقات كثيرة عقاب على خطيئة (احبار 20: 20 – 21، 2 صمؤئيل 6: 23)، بل بالاحرى عار (تكوين 30: 23، 1صمؤئيل 1: 10). لذا لوقا الانجيلي يؤكد في البداية على برهما وطهارتهما، وكأنه يريد ان يُحضرنا كي لا نحكم بالسوء عليهما، فهو يقدم مزاياهما قبل ان يعرفنا حالتهما.

نعم! نحن نعرف ان غيرهما من قبل في العهد القديم كانوا بنفس الحالة، لكن الرب انعم عليهم وحصلوا على ابن. لكن هما كانا يحيان ولا يعلمان شىء عن ماهو في فكر الرب لهما، يجدا نفسيهما بلا ابن. ويجدا نفسيهما وقد طعنا في السن. زكريا متزوج من اليصابات العاقر، لا ينجب اولادا، لذا لا يرى مستقبلاً، يكبر في السن، ولا يوجد من يحمل اسمه من بعده ويكمل نسله. لمن سينقل بركته وكهنوته؟ واليصابات تحمل عارها، وسط النساء ولا تنتظر شيئا.

العقل البشري امام هذا الواقع يسأل لانه يعرف انهما بارين: اذاً لما هذا العقم؟  ان كان الانسان برىء من الذنب، فمن المخطىء؟ القدر؟ النصيب؟ او الله؟؟؟

وكالمعتاد الكتاب لا يسعى ان يرد على اسئلة  الانسان الاخلاقية، من المخطىء؟ نفس السؤال الذي سيساله التلاميذ من بعد للمسيح: من اخطأ هو ام والديه كي يولد اعمى؟ من المخطىء؟ هذا هو المهم ان نعرف من المخطىء، كي نعاقبه ونمنعه ان يخطىء من بعد. او كي نفسر حدث يصعب علينا تفسيره. لكن معرفة من المخطىء لن تحل مشكلتهما سيظلان بلا ابن، حتى ولو عرفنا من المخطىء.

ملاك الرب يظهر له ويعده بأبن. نعم ملاك الرب، يظهر لزكريا، والذي اسمه يعني "الله يتذكر"، لان الرب لم ينساه، الله يتذكر زكريا وبره، يتذكر اليصابات والتي اسمها يعني "وعد الله، وايضاً بيت الله"، الله يتذكر وعده بالمخلص، وبمن سيحضر له الطريق، الله يتذكر شعبه ووعده. الله لم ينسى، يتذكر شعبه ويعد بيوحنا، والذي اسمه يعني الله تحنن، ورحم. نعم الله لم ينسى.

هذا الانجيل هو خبر مفرح، لكل من يجد نفسه في الموت، مثل موت زكريا واليصابات، يشعر باللعنة في حياته والعار بلا سبب، بلا مبرر؛ ولدَ مُعاق، مريض، فقير اومحتاج، مهمل كان او لقيط، يتيم او بلا رفيق. الرب يرسل له اليوم ملاكه ليعده بان من هذا العقم سيختبر الرحمة وحنان الله، سيختبر ان الله معه، وان كان الله معه فمن عليه؟ قد تبقى حالته الخارجية نفسها ام تتغير، لكن المهم انه سيرى رحمة الرب، من تلك الحالة سيولد من يحضره لقبول المسيح.

احد مبارك.