سينودس اساقفة الشّرق الاوسط بين الشّركة والشّهادة 9

الرّعية الشّخصية

روما، الاثنين 14 ديسمبر 2009 (Zenit.org).

 استعرضنا في المقالة السّابقة مسألة مؤمني بلاد المهجر، أو بلاد الإنتشار، والمقترحات المقدّمة لحلها. ورأينا ان احدى الحلول المقترحة، لمسألة الأقليات من الكنائس ذات الحق الخاص المتواجدة خارج رقعتها الجغرافية، هو تأسيس ما يسمى بـ"الرّعية الشّخصية".

لكن ما هو المقصود بـ"الرّعية الشّخصية"؟ ومن له حق تأسيسها؟ هذا ما سنحاول الرّدّ عليه في هذه المقالة.

الرّعية بشكل عام هي مؤسسة اساسية في هيكلية التّنظيم الكنسي. يرجع اصلها في الشّرق الى القرن الثّاني، بينما في الغرب بدأت تظهر في القرن الرّابع ميلادي. البابا بولس السادس خصّص العديد من احاديثه عن الرّعية، واهميتها، ودورها في حياة المؤمنين، مؤكداً انها اوّل عائلة روحية تستقبل المؤمن بعد عائلته الخاصة، فيها يتقبل الاسرار وينشأ على الايمان. لذا يجب ان تواكب احتياجات المؤمنين في كلّ عصر فعليها ان تتجدّد في الرّوح والتّنظيم[1].

كلّ مسيحيّ من خلال الايمان والعماد، ينتمي الى كنيسة المسيح الواحدة، والتي تظهر في نفس الوقت في الكنيسة الجامعة والكنيسة الخاصة. فانتماء المؤمن إلى الكنيسة الجامعة، هو انتماء مباشر، حتّى وان كان دخوله وعيشه الإيمان يكون من خلال كنيسته الخاصة. فالوضع القانوني للمؤمن من حيث الانتماء الى كنيسة خاصة، يتمّ من خلال انتمائه لرعية ما في تلك الكنيسة. تحديد هذا الانتماء للرّعية يكون حسب احد المبدأين التّاليين:

1. مبدأ الرّقعة الارضية: فالرّعية عامة، تحدّد حسب رقعة جغرافية معينة، ينتمي اليها مؤمنو نفس الكنيسة، القاطنون داخل حدود تلك الرّقعة الجغرافية. قبل المجمع الفاتيكاني الثّاني كانت الرّعية تُعرّف بانّها قطعة الأرض، او الرّقعة الأرضية التّابعة للكنيسة ويسكنها المؤمنون. مع التّجديد الكنسي للمجمع الفاتيكاني الثّاني، الرّعية لم تعد تُعرّف فقط بانّها قطعة الارض، بل انّها جزء من شعب الله. اي انّ التّعريف تخطّى مبدأ الرّقعة الأرضية البحتة ودمج مكانه علاقة الرّعية بالمؤمنين، وان ابقى على اهميتها ولكنها لم تعد اساسية كما كانت من قبل. بهذا يفتح المجمع الفاتيكاني الثّاني مبدأً آخر لتحديد الانتماء للرّعية وهو المبدأ الشّخصي؛

2. مبدأ الشّخصية: تاريخياً بدأ هذا المبدأ ينبع من التّطور الاجتماعي، وبالاخص من ظاهرة الهجرة. فهو محاولة من الكنيسة لسدّ احتياجات المؤمنين المهاجرين. والمقصود به ان ارتباط الشّخص وانتمائه لرعية ما لا يحدّد حسب مبدأ الرّقعة الارضية التي يسكنها، بل حسب مبدأ شخصي. اي هوية مرتبط بها بالفعل؛ كاللّغة، الطّقس، او الجنسية. اي ان تحديد انتماء لرعية ما لا يعتمد على مكان سكنه بل على احد مظاهر هويته الشّخصية. فقد يكون قاطناً في منطقة ولكن نظراً لهويته الخاصة قد ينتمي الى رعية اخرى وان كانت خارج حدود مكان سكنه.

مما سبق يتضح ان الرّعية الشّخصية هي رعية تُحدّد حسب احد العوامل الشّخصية للمؤمنين وليس حسب الرّقعة الارضية، وان كانت دائماً تخصّ رقعة ارضية معينة، بلدة او مدينة او منطقة ما.

هذه الرّعية قد تكون إمكانية لمساعدة العديد من أقليات مؤمني الكنائس ذات الحق الخاص في بلاد الانتشار. حيث تكون نفس الرّعية، والمقصود بها هنا الكنيسة المبنية، لخدمة العديد من هؤلاء المؤمنين. حيث يكون المؤمن منتمٍ اليها حسب طقسه الخاص. وبهذا لا حاجة الى إنشاء رعّية خاصة لكلّ أقلية ، بل نفس الرّعية تخدم كلّ من تلك الأقليات حسب طقسها الخاص.

هذا الشيء من المؤكد انه يتطلب اكليروساً ذي تكوين معين لتلك الخدمة. تكوين يتميز بالانفتاح على الطّقوس الاخرى ومعرفتها وايضاً ممارستها كي يستطيع ان يلبي احتياجات مؤمني تلك الكنائس حسب طقسهم الخاص. لانه في اغلب الاحيان، ليس من السّهل ارسال لكلّ أقلية، كاهن خاص بها من طقسها الخاص، نظراً لنقص الدّعوات الكهنوتية.

يعود للأسقف المحلي، بعد استشارة مجلس الكهنة، إنشاء الرّعايا ومنها الرّعية الشّخصية (ق 280 بند 2).

مما سبق يتضح ان مبدأ الشّخصية في القانون الكنسي الجديد ما هو الا محاولة للرّد على بعض المتطلبات العصرية لمؤمني الكنائس ذات الحق الخاص وبالاخص المتواجدين في بلاد الأنتشار.

 

1.       Congregazione per i Vescovi, Direttorio Ecclesiae imago de Pastorali Ministerio Episcoporum (22 febbraio 1973): Ench. Vat. 4, 2310-2311