عظة الأحد الأول من الصوم الاربعينى

بقلم الأب / بولس جرس

راعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر

 

إعداد ناجي كامل – مراسل الموقع بالقاهرة

 

 + البولس : من الرسالة إلى أهل رومية 14/9 إلى 15/7 

– فلنتبع السلام و البنيان بعضا لبعض

– لا يجب أن نقوض عمل لله من اجل الطعام

– كل شيء طاهر لكن شر لمن يأكله بعثرة 

– حسن ألا تأكل لحما ولا تشرب خمرا يعثر أخاك

– لك اعتقاد، فليكن في ذاتك (احتفظ به لنفسك ) أمام الله .

 

  ينطلق بولس من مبدأ هام لا غنى عنه في الحياة المسيحية إلا وهو مبدأ "السلام و البنيان " هل ما أقوله أو اعمله أو أؤمن به يساعد على السلام أم يزيد من الانفصال و الشقاق و التحزب و يثير نزعات الخلاف و الخصام.لعل ما أقوله و افعله و أؤمن به يساعد على البنيان ؛ ليس بياني الشخصي فحسب بل بنيان الجماعة المسيحية كلها !

  لو توقفنا جميعا من جميع كل الطوائف و المذاهب عن الصراع والتناحر و الافتخار و الكبرياء والتعالي على الآخرين لو سأل كل واحد منا نفسه هل هذا يبنى آخى و يساعد على إحلال السلام في داخل الأسرة والطائفة والكنيسة والعالم !لما وجدت الصراعات ؟ ولما تعددت الطوائف ؟…. فا لمهم هو عمل الله اى بناء الملكوت و ليس مجد الأشخاص … فهل يصح أن نقوض عمل بناء الملكوت من اجل الطعام و هو شئ فان لا يقدم ولا يؤخر. أو نوعية عدد أيام الامتناع و الانقطاع و الصوم ؟ بالطبع الإجابة لا، فكل الطعام طاهر و جيد و مفيد و هو نعمة من الرب ما طهره الله لا ينجسه إنسان و لا يجب أبدا أن يتحول إلى عثرة أو نجس أو محرم. و كل الشراب جيد و هو عطية من الله للخلائق و لا يجب أن يتحول إلى مجال للفتوى و المنع و التحريم فإذا كان أكل اللحم و هو أجود أنواع الأطعمة يشكك آخى ؛ فللسلام و البنيان و من الحق و الواجب أن امتنع عنه.

 

+ الكاثوليكيون : من الرسالة الثانية للقديس بطرس 3/ 14- 18

– اسعوا أن توجدوا بلا عيب ولا دنس

– انتم سبق و عرفتم فتحفظوا لئلا تهلكوا و تسقطوا من ثباتكم

– الأهم هو مواصلة النمو في النعمة و في معرفة ربنا و مخلصنا يسوع المسيح

 

يتناول هامة الرسل نفس المواضيع "الأخلاقية و السلوكية" التي يتناولها أخاه الحبيب بولس كما يسميه ؛ و يقدر عظم النعمة و الحكمي التي لدى أخيه في المقدرة على الحكم على هذه الأمور الدقيقة في حياة المسيحي فالمسيحية ليست عقيدة منفصلة عن الحياة بل المسيحية هي"حياة".و سلوك يومي، لذا يطلب القديس بطرس من جميع المسيحيين عدم التوقف أمام توافه الأمور اليومية بل أن يسعوا للكمال " بلا عيب ولا دنس " في جميع طرق حياتهم. و هو يعلمهم أنهم يعرفون " سبق أن عرفتم" و يوصيهم أن يحافظوا على ما تعلموه و أن يتحفظوا في الكلام و السلوك بحسب العالم لئلا يهلكوا … و يختم مؤكدا ليس المهم هو الحفاظ على القشرة الخارجية كالفريسين لكن الأهم أن نواصل النمو في حياة النعمة و أن نتعمق في فوق و محبه يسوع المسيح فهذا وحده كفيل بان يحفظنا من كل عيب و دنس و معثرة .

 

 

 

+ الابركسيس : من سفر أعمال الرسل 9/1-9 " قصة اهتداء بولس "

– كان ممتلئا غضبا و قتلا لتلاميذ الرب

– طلب رسائل من رئيس الكهنة ليقبض على إتباع " هذه الطريقة " رجالا و نساء

– أضاء عليه بغتة نور من السماء فسقط على الأرض

– شاول شاول لماذا تضطهدني ؟        

– قم و انطلق غلى المدينة فيقال لك ما ينبغي أن تفعل.

                                          

  روح الغضب و الانتقام تؤدى إلى القتل و سفك الدم.يريد بولس أن يطارد المسيحيين الذين هربوا من الاضطهاد في أورشليم إلى دمشق.و يريد أن ينال رسائل توصية من رئيس الكهنة السلطة الأعلى كأنه يريد أن يثبت لنفسه وللآخرين انه على حق و إنه صاحب الإيمان المستقيم وله الحق المطلق في أن ينكل بالآخرين لأنهم " إتباع طريقة " لا تعجبه.

  و في ظل وجود هذا الاعتقاد المريع و الفظيع لا تعرف الرحمة طريقها إلى قلبه فلا فرق بين رجل وامرأته وطفل…هذا هو الضلال … هذا هو التطرف .

* بغتة : على حين فجأة و بصورة غير متوقعة يظهر له الرب " نور العالم " فيسقط لأنه واقف على أرضه رمليه ارض خربة ارض الدينونة و الكراهية و الاضطهاد .

* من أنت؟ : أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده.نعم كل ما صنعتموه بأخوتي فبى فعلتموه نعم أنت عندما تدين وتكره و تضطهد أخاك فانك تدين الرب وتكره الرب و تضطهد الرب.

* قم :

– الرب يدعوك مع شاول في هذا الزمن المقدس أيها الإنسان

– قم من عجزك و من عماك و من كرهك و اتهامك للآخرين

– قم من غيرتك الباطلة على الرب وأنت أول مضطهديه

– قم من غرورك و كبريائك وانظر كم أنت ساقط و أعمى و مسكين

– قم من دينونتك للأخر فالله وحده هو الديان

– قم أيها الإنسان مع بولس لتبدأ حياة جديدة و تكون مؤسسا لكنيسة العهد الجديد حيث لا يهودي

 ولا يوناني ولا بربري ولا أشقر، فالمسيح الكل في الكل.

 

+ المزمور 56/2- 3:

" إرحمنى يا الله ارحمني، نفسي توكلت عليك، بظل جناحيك اعتصم،إلى أن يعبر الآثم "

– إرحمنى يا الله إرحمنى : هذا هو نداء النفس البارة في زمن الصوم ؛ زمن القوة، زمن الاعتراف و التغيير" فليس واحد بار " الجميع خطئوا و يحتاجون إلى مجد الله و رحمته.

– نفسي توكلت عليك: ملعون من اتكل على ذراع بشر ؛ أو على وقوته الشخصية و تقواه وبره وصلاحه،الله وحده قادر أن يخلص.

– بظل جناحيك اعتصم : الاعتصام بالله و الاتكال عليه خير من الاعتصام و الاتكال على البشر و الاعتماد على القوة الشخصية .

– إلى أن يعبر الإثم: المؤمن يعرف ضعفه و قوة الله. فحين يمجد نفسه أمام تيارات لا يستطيع مواجهتها، كالطفل يلجأ إلى حضن أبيه و كفرخ الطير إلى حنان أمه حتى تعبر الرياح العاصفة و مهما كان ضعفه، ففي الله وحده قوته و عونه.            

 

+ الإنجيل من لوقا 4/ 1- 13

* رجع يسوع من الأردن وهو ممتلئ بالروح القدس

  عيد التجلي، حيث صرخ يوحنا وشوهد الروح كحمامة وسمع صوت الآب من السماء هذه هي أعظم لحظات حياة الرب يسوع وأوج قدرته .

– عجيب أن تأتى التجربة في هذه اللحظة.. عجيب أن يقترب الشيطان من الإنسان المؤمن ويترك الفاسد عجيب أن يهاجمنا الشيطان بشدة أثناء الصوم و الصلاة والقداس و الذبيحة.عجيب أن تزداد مقاومته وضربه لنا كلما ازداد نمونا في الإيمان والقداسة.لا تستغرب فإذا كنت في مشاجرة ماذا تفعل مع غريم يسقط على الأرض، تتركه و تذهب لمن هو واقف لتصارعه و تسقطه، هكذا الشيطان لا يحارب الساقطين بل الواقفين و الأقوياء منهم.

* إقتاده الروح إلى البرية أربعين يوما يجرب من إبليس

– الروح يقودنا إلى البرية حيث لا مكان نختبئ فيه أمام الله، حيث كل شئ واضح على امتداد البصر ولا شئ يتوارى خلفه.

– الروح يقود يسوع إلى البرية حيث يقضى وقت صلاة وصوم استعدادا للرسالة فالروح الذي حل عليه في المعمودية برغم قوته الإلهية يحتاج إلى تجاوب وتعاون كذا الروح الذي يناله المسيحي يحتاج إلى دعم بمواصلة الصلاة و الصوم.

– اقتصر الإنجيل على ثلاث تجارب رئيسية لكن إبليس لم يترك الرب لحظة واحدة فقد كان يجربه طوال الأربعين يوما وأربعين ليلة.

– الأربعين هي تمام الزمان: صامها موسى لينال الوصايا المكتوبة بإصبع الرب،  وصامها لينال ما كتبه هو من الوصايا.

– صامها إيليا قبل لقاء الله على جبل حوريب .

– عاشها الشعب في البرية قبل الوصول والدخول إلى ارض الميعاد.

* لما تمت أخيرا جاع : يبدو أن دخول الرب يسوع في " الصلاة والصوم " التي بهما ننتصر على إبليس، كان قويا وشاملا لدرجة أنسته تماما كل ارتباط ارضي زمني ومادي فلم يشعر لا بعطش ولا بجوع فقد كان طعامه في ذلك الزمن أن يتمم مشيئة الذي أرسله وأن يعيش معه في وحدة كاملة جعلته ينسى كل ما هو ارضي، حتى الاحتياجات الأساسية من طعام أو شراب.و لما تم تمام الزمان جاع .

* ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

– جاع: ليس الجوع خطيئة وليس عدم الجوع فضيلة، الجوع مجرد إحساس ترسل به أعصاب المعدة والأمعاء إلى العقل لتفهمه لنفاذ الذخيرة الجسدية.

* متى يكون الجوع خطية؟

 – عندما يلهينا عن كلام الرب فهي خير طعام وشراب وغذاء

 – عندما يلهينا عن طلب ما هو أهم: الطعام الباقي للحياة الأبدية

 – عندما ينسينا احتياجات الآخرين: كنت جوعانا ولم تطعموني

 – عندما يصير همنا الوحيد ومحور تفكيرنا هو إشباع ذواتنا

 – عندما يتحول إلى شهوة لا نستطيع مقاومتها والوقوف أمامها

 – عندما ينسينا الاتكال على الله "أبوكم يقوت طيور السماء"

 – عندما ينحصر في الأمور المادية والجسدية وننسى الجوع إلى البر.

* للرب إلهك تسجد:

– إذا سجدت لي : طلب غير معقول من شيطان ماكر ذكى يعرف مع من يتحدث ويعرف قوة من يجربه ونال ضربة قاضية في التجربة الأولى وبدلا من أن يتراجع وييأس يحاول من جديد وبصورة اشد فتكا .فان كان هذا الرجل قد انتصر على تجارب المادة والاحتياجات الجسدية فحتما سيسقط في الإغراءات النفسية "ها نحن في البرية وحدنا ولن يسجل احد عليك هذه السجدة الوحيدة لمرة واحدة ولن يرانا احد ..ومن خلالها تستطيع أن تصل إلى كل سلطان وتحقق المجد والكرامة والمعجزات ." سيكون لك ذلك جميعه إن سجدت لي " تجربة قاسية شديدة الإقناع تلمس أدق احتياجات الإنسان " الامتلاك" لدرجة عبادة المادة وتأليهها .

يعيد الرب صياغة الأوضاع أن نؤله ما هو خليقة ونسجد له. للرب الخالق وحده ينبغي السجود و العبادة ومن لدنه نستمد كل ما نحتاج إليه وهو كفيل بان يحقق لك كل أمنياتك ويسد كل احتياجاتك ويرضى كل طموحاتك.

* لا تجرب الرب إلهك :

من هذا المخلوق الموجود أمامي ولماذا فشلت للمرة الثانية في الإيقاع به، لقد ترفع عن الملذات الجسدية الأولى وترفع عن الملذات المادية في السلطة و التملك، فهل سيقع في تجربة المجد الباطل؟ تجربة المجد و السلطان تجربة قاسية مر بها التلاميذ "أعط أن يكون ابنيا عن يمينك وعن يسار كفى ملكوتك، ومر بها التلاميذ حين كانوا يتناقشون في الطريق، وأسقطت ادم في الفردوس "ستكونان مثله " تجربة الكبرياء التي مزقت شعب الله في بابل وأهلكت الكثيرين عبر التاريخ. هل يجتازها هذا الرجل الجائع العطشان الذي يعيش الوحدة والحرمان منذ أربعين يوما؟

  نعم يا شيطان .. مجدي وكرامتي ومملكتي ليست من هذا العالم إنما من عالم غير عالمك، غير عالم الظلمة والفساد ..لست باحثا عن المجد! مجدي سيكون ليس من فوق جناح الهيكل بل من أعلى جبل الجلجثة .. مجد لم يعرف العالم ولا تعرفه أو يعرفه العالم.

– انتصر الرب الإنسان على كل نوازع وصلف الإنسان.

– انهزم إبليس الشيطان وانسحب محتارا أمام قوة ذلك الإنسان.

– بنصر الرب يسووانسحابه.ليقة أنها لم تعد بعد اليوم خاضعة خانعة لسلطان إبليس.

– بهزيمة إبليس وانسحابه .. لم يهدا ولم يسكن ذهب إلى حين ليعد ويخطط ويبرر ويقود حربا شعواء على المسيح وإتباعه .. حتى وسوس ليهوذا أن يسلمه .

– حين رأى إبليس هذا الرجل معلقا على الصليب ظن انه أخيرا سيتحقق حلمه وينتصر عليه ولو بالسلاح الأخير "سلاح الموت" لكن الذي صلب ومات ودفن قام من الأموات ليعلن النصر النهائي على آخر أسلحة إبليس فكسر شوكة الموت وأبطل مفعول الهاوية المخيفة، بل كسرها اليوم أمام التجارب القوية والعنيفة والاهم من هذه الانتصارات عنده هو أن تكون لنا سلاما وملاذا ومفرا به نحتمي من حيل إبليس العدو وتجارب الشيطان.