عظة الأحد الثاني من الصوم الاربعينى المقدس

الابن الضال والآب الحنون

بقلم  الأب / بولس جرس

راعي كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر

 

إعداد ناجي كامل – مراسل الموقع بالقاهرة 

+ البولس : من الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 5/11 إلى 6/13 

– إذا كان واحد مات عن الجميع، أليس الجميع ماتوا ومات هو عن الجميع لكي لا يعيش الأحياء لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام لأجلهم.

– إذا كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة

– الأمور القديمة قد مضت وهوذا أشياء جديدة قد صارت

– الله في المسيح صالح العالم لنفسه غير حاسب عليهم آثامهم

– نحن صرنا سفراء عن المسيح كأن الله يعطى العزاء على أيدينا

– أنى في وقت مقبول سمعتك وفى يوم الخلاص أعنتك

– كخدام نطهر أنفسنا في : صبر كثير-  شدائد وضيقات –  الآم و ضربات – أتعاب واضطرابات – سجون واضطهادات – سهر وأصوام –  في طهارة – علم –  أناه – صلاح –  محبة بلا رياء – في كلمة الحق .

– كأنا مائتين ونحن أحياء.

– كأن لا شئ لنا ونحن نمتلك كل شئ.

هذه القراءة حافلة بالعديد من العناصر النافعة و المفيدة:

أولا : موت يسوع عن جميع البشر أعطانا حياة جديدة نحياها لا لأنفسنا بل لمن أعطانا إياها

ثانيا : في العهد الجديد ، عهد المصالحة مع الله ، عهد غفران الخطايا ، صار الجميع سفراء بل أبناء الله .

ثالثا : الفرص متاحة أمام الجميع فهوذا الآن وقت مقبول وهذه "الآن" معاصرة لكل جيل في كل وقت.

رابعا : هناك أسلوب لحياة العهد الجديد يختلف عما سبقه و يتطلب التضحية و الالتزام.

خامسا: ثمرة هذه الحياة الجديدة تجعلنا أحرارا متجردين

 

+ الكاثوليكون : من الرسالة يعقوب 3/ 1- 12

– التركيز في هذا الأسبوع على الخطية والزلل وكلنا معرضون لهذه السقطات لاسيما سقطات وزلات اللسان وخطايا كثيرة : كذب- نميمة- حديث فاحش – ألفاظ نابية – تهديد – خبص –وشاية – حلفان

– كلنا نزل مرارا   من لا يزل فهو رجل كامل

– اللسان عضو صغير ينطق بعظائم – نار لزينة الآثم يدنس الجسد كله يضرم نار الكون ويحرق نار جهنم لا يستطيع احد من الناس أن يخضعه .شر لا يضبط مملؤا سما مميتا. اللسان به نبارك الله وبه نلعن البشر

 

+ الابركسيس : من سفر أعمال الرسل 24/1-23

بولس أمام فيلكس الوالي ، رئيس الكهنة شخصيا مع الشيوخ وخطيب اسمه ترتلس (محام) يشكون جميعهم بولس متهمين إياه بنفس ما تهموا الرب يسوع أمام بيلاطس ، وبولص لا يصمت كالمعلم ، بل يدافع عن نفسه بفصاحة تفوق ترتلس ويدعم خطابه بحجج وبراهين تثبت براءته ..

أدرب نفسي ليكون ضميري بغير عثار أمام الله والناس كل حين ،هذه الآية هي متناسب هذا الأسبوع الثاني من الصوم المقدس الذي هو تدريب للنفس وتنقية الضمير وتهذيب للحواس.

 

+ المزمور 78/8-9

 " لا تذكر آثامي القديمة من اجل مجد اسمك ، خلصنا واغفر خطايانا من اجل اسمك "

طلب المغفرة المصحوب بالندامة على ما سبق من خطايا وآثام ، مقبول عند الرب في هذه الأيام المباركة ، وكما نصلى في القداس "كرحمتك يارب وليس كخطايانا" نطلب الرحمة والمغفرة والخلاص لا من اجل برنا بل لمجد اسمه.

 

+ الانجيل لوقا 15 / 11- 34 إنجيل الابن الضال

*رجل له ابنان: رجل بمعنى الرجولة أي القدرة على تحمل المسئولية و التضحية في سيبل الأسرة

*له ابنان: جميل أن يعتبر هذا الآب الأولاد جميعا أبنائه أشرارا كانوا أم صالحين وقد رأينا هذه المعادلة دوما ، فهو تعامل مع ادم وحواء ثم قايين وهابيل وعيسو ويعقوب وعرف عن كليهما الخير والشر وأحبهم جميعا ورعاهم بعنايته حتى قائين قاتل أخاه.

*الأصغر: عادة ما يكون موضع حب وشغف الوالدين

       – يرث أباه حيا : بلا وجه حق

       – يهجر بيت الآب: بلا سبب منطقي

       – يبذر أمواله في الخلاعة: يبدد كل ما وهبه الآب من كرامة ومجد

       – يسقط في المجاعة : علامة على اختفاء الخير من حياته

       – يتحول إلى راع للخنازير: كائن نجس يتعامل مع أنجس الكائنات

       – يجوع ،يعطش،يتعرى، يهان: لعل كل هذا يقوده إلى التوبة.

       – يراجع نفسه: يفحص ضميره ويعرف اى هوان يعيش، يدرك انه تجاوز حتى مرحلة

         العبودية والرق (العبيد في بيت أبى يفضل الخبز عنهم)

       – يندم : على ما أوقع نفسه فيه وما آل إليه من حال.

       – يقرر: أقوم وارجع إلى أبى واعترف

       – ينهض: لحظة الحسم والحل هلم فانهض.. قم

         نداء يسوع في معجزاته قم وانهض

       – يعود إلى أبيه : يعود ليجد نفسه في المجد والكرامة بمجرد التوبة والندامة.

لعله يمثل كل إنسان فينا في مرحلة من مراحل حياته ونموه … الجميع زاغوا ، أجمل ما فيه هو اعترافه بخطأه والقدرة على اتخاذ قرار العودة ، عاد ليعيش في بيت الآب لا بالفطرة والغريزة كما كان سابقا لكن عن اختيار حر واختبار عميق الأثر فمن سيفصله بعد ذلك عن محبة آبيه.

* الآب: صاحب القدرات كل القدرة مالك الكل واهب الخيرات، لا يتكلم كثيرا بل يعمل كثيرا، يظهر مكتمل الرجولة صاحب ولدين ولا تبدو صورة لامرأة هنا لأنه قادر على الإنجاب والامتداد دون تزاوج (انبثاق الابن والروح)

* قسم : يعرف طلبات أولاده أكثر مما يعرفون هم أنفسهم ، يدرك ما يحمل في نفس كل منهما يشخص المرض ويضع الحل لا يعارض أولاده ولا يسلب حريتهم ولا يطالبهم بأبسط حقوق، يهبهم ما يحتاجون إليه ويترك لهم حرية التصرف حتى إن اساؤا استخدامها … أليس هو واهب الخيرات المشرق شمسه على الأبرار والأشرار معا.

قد يبدو للبعض أنه آب سلبي لا ينصح ولا ينهر ولا يمنع لكن هذا غير حقيقي لأنه فاحص القلوب والكلى يعرف ما بالإنسان.

* وفيما الولد بعيدا رآه أبوه: انه لم  ينساه ولم يهمله ولم يرفضه على عكس كل ذلك هو ينتظره ويدعوه كل يوم إلى الرجوع لحضنه ويترقب عودته كل يوم بشوق ولهفة الآب الملتاع "إن نسيت الأم رضيعها فانا لن أنساه"

* فتحنن عليه : هذا هو جوهر المثل "حنان الله على الخاطئ " هذا هو جوهر ما أراد يسوع أن يوضحه لسامعيه ذوو العقلية الفريسية القانونية ،المثل ليس مثل" الابن الضال" بل الآب الحنون،فمن الابن الضال هناك الملايين في كل زمان ومكان وعصر وجيل ،أما نوعية هذا الآب فلا يوجد احد سوى الله الأحد ،ولا يعرف ذلك سوى من كان في حضن الآب واخبرنا .

* أسرع وألقى بنفسه عليه وقبله : غير متوقع ولا منطقي ولا معقول ولا مقبول … هو آب فريد يلقى بنفسه …

   آلم يلق بنفسه حين تجسد وعاش على الأرض كإنسان ؟

   ألم يلق بنفسه حين تحمل الجلد و البصق والشتم والضرب ؟

   ألم يلق بنفسه حين حمل الصليب وسقط تحت ثقله ثلاث مرات؟

   ألم يلق بنفسه حين صلب بين لصين ومات ودفن ؟

 

* أسرع : وكأنه هو صاحب المبادرة ، الذي لا ينتظر بل يخرج بلهفة وسرعة .

* قبله: القبلة علامة الحب ، علامة السلام و المصالحة .

قال أبوه: لعل المستمعين في شوق لسماع تلك العظة البليغة المؤثرة الناهرة الجامعة المانعة التي تهيج أشجان الابن وتوبخه على ما ارتكبه وتثبت له ضلاله ،وصدق الآب ،وتثبت له غباؤه وحب الآب ،تثبت له فشله رحمة الآب ،تثبت له ضياعه وحنان الآب ، فماذا سيقول الآب في تلك اللحظة الحاسمة هل سيلقنه درسا؟ هل سيعاتبه ؟ هل سيعاقبه ؟ دعونا نرى!

* قال لعبيده : لا يتوجه إلى الخاطئ بكلمة عتاب بل يتوجه إليه بكيانه وغفرانه!

   لا تخرج من فمه كلمة بل قبلة

   لا تمتد يداه محذرتان بل محتضنتان

   لا تنظر عيناه شامتتان بل غافرتان

   لا يلقى بابنه خارجا بل يلقى بنفسه على ولده

   لا يأمر عبيده (ملائكته) بالقبض والإمساك بل بالانطلاق

   لا لإعداد أدوات التعذيب والعقاب بل لإعداد أعظم احتفال

* هاتوا سريعا الحلة الأولى : حلة الشرف حلة أبناء الملكوت ،حلة البنين

* اذبحوا العجل المثمن : الوليمة رمز الفرح ،السلام ،المصالحة والغفران والذبيحة رمز الفداء

*خاتما في يده : الخاتم رمز الانتماء إلى العائلة ،رمز سيادتها وتملكها ، سيعود الشريد إلى 

  مملكته.

*أجعلوا في رجليه حذاء : رمز آخر من رموز العناية الأبوية "لئلا تصطدم بحجر رجليك" رمز لانفصاله التام عن عالم الأرضيات وعدم انغماسه من جديد في أقذارها.

*فنأكل ونفرح : هذا هو سر الغفران ثمرته فرح وسلام وخير وبركة ، غفر لابنه ففرح ، عاد

 ابنه واستغفر ففرح ، يعم فرح الغفران جميع الموجودين ، فالمسيحية مبنية عليه من التجسد إلى 

 الفداء.

*أبنى هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد : تحدثنا طويلا عن رحمة الآب وغفرانه ،عن حبه

  وحنانه ، تعالوا نتأمل حكمته ،فماذا يعود عليه موت الابن سوى الحزن وماذا يؤدى الرفض

  والطرد سوى إلى مزيد من الحزن والدموع وماذا سيربح إن خسر ولده.

         عظيمة هي حكمة الله وليست أفكاره مثل أفكارنا ولا طرقه كطرقنا

         أعظم حكمة أفرحت قلب الآب ، قلب الابن ،قلب الجميع.

         الغفران أعظم نعمة أعادت الوئام إلى الأسرة  

         الغفران أعظم عطية أحيت الابن الميت بالخطية

         الغفران أعظم حكمة ترد القلب الضال إلى طريق الصواب

    " ما أعظم حكمتك يا الله وما أوسع رحمتك للذين يلجئون إليك ، هلم جميعا نعود إلى بيت الآب نلقى بأنفسنا في أحضانه نطهر بغفرانه ونلبس خاتم الملك وحلة العرس ونفرح ونبتهج برحمة الرب إلهنا ."

·   الابن الأكبر: هو البطل الثانوي مع انه الابن الأكبر،البكر، صاحب الميراث والبركة ،انه مولود في النعمة ويعيش فيها ، انه الزيتونة الأصلية المرتوية من نعمة ألآب  ،انه الكرمة التي يعتني بها ألآب منذ ولد ولهذا يرعاها ويهذبها لتأتى بثمر كثير ، انه رمز لأمة اليهود وأبناء إبراهيم ،أصحاب الوعد والناموس والشريعة والعهد "كل مالي هو لك" …يحفظون الشريعة منذ حداثتهم ، يحافظون على الناموس والقانون ويرددون كلمة الله في قلبهم النهار كله … ما أسعدهم بذلك ولكن…

·        أين هو من أخيه الأصغر؟: لماذا تركه للدمار أم تراه قد قال "ألعلي حارس لآخى؟"

·        لم يبحث عن أخيه ولم يشغل نفسه للحظة بمصيره بل لقد حاكمه وحكم علبه بأنه ضائع ولا رجاء فيه .

·        لم يتأثر بألم الآب لفراق ابنه ولم يأبه لتأوهات قلبه المكلون

·        لم يسعى لاستعادة أخاه إلى البيت ليتمم فرح الآب

·        ظل سلبيا من بداية المثل إلى نهايته، كان عليه أن يؤدى عمله ويتمم واجبه بلا لوم

·        جاء وقرب من البيت: يعود إلى حضن أبيه بعد أن  أنجز كل واجباته

·   سمع صوت اغانى ورقص: طبيعي أن يعاين الفرح ويشم رائحة الطعام وينظر الوليمة ويسمع الموسيقى فحواسه كلها سليمة.

·   فدعا احد الغلمان وسأله: هناك صدمة مبدئية تجعله يشعر بالفرق يتوجه إلى العبيد وليس إلى السيد رب البيت الآب .

·   قدم أخوك فذبح أبوك العجل المسمن لأنه عاد سالما: رد موجز كامل شامل مانع سبب الفرح هو عودة أخيك . سبب الفرح هو فرحة أبيك، سبب الفرح هو ذبيحة الفرح التي قدمها أبوك باثمن ما لديه فداء عن ابنه الذي عاد إلى حضن الآب سالما

·   فغضب ورفض أن يدخل: نفس غضب عمال الكرم أصحاب الساعة الأولى اليهود، أنهم يشعرون بأنهم أصحاب الحق ،أصحاب البيت ، الورثة الصامتون .

·   خرج إليه أبوه يتوسله: ما أعذب قلبك ، كم مرة أردت أن تحتضن بيتك كما تحتضن الدجاجة أفراخها تحت جناحيها فلم يريدوا؟

·   كم من السنين خدمتك؟: أنت خادم وستظل خادما مادمت تعتبر نفسك كذلك وأنت ابن وستعود إلينا مادمت تريد أن تكون كذلك.