عظة الأحد الخامس من الخماسين

 اضطراب القلب ..إلى أين المصير؟

بقلم  الأب / بولس جرس

راعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر 

 

إعداد ناجي كامل- مراسل الموقع بالقاهرة
 

    منذ البدء… وحياة الإنسان في علاقته بالله هي سلسلة متواصلة من الكشف والحجب ،فهو في بحث دائم عن الله والله في بحث دائم عن الإنسان ،انه الدرهم الضائع الذي يفتش عنه في البيت كله ،انه الخروف الضال الذي يترك من أجله 99 خروفا في البرية ، انه الابن الضال الذي ينتظره ألآب بفرح موقدا سراجه مرددا دعواته مادا صبره مستمرا في صلاتـه .

    و الإنسان مضطرب القلب ،مضطرم الفؤاد ، لا يشعر بوجود الله وبفراغ داخله لا يمكن أن يملأه سواه فيجد في بحثه وهو يتخبط في الظلام يصرخ "لا تحجب وجهك يأرب" ،لكن كثيرا ما يتناسى البحث وينشغل عن ذلك الفراغ ويسعى أن يسده بأشياء أخرى : المال ، اللذة، العمل، الدنيا …لكن ما الدنيا حتى تنشغل باله أكثر من الخطايا وما المال حتى يرويه لأكثر من ساعات وما اللذة حتى ترضيه لأكثر من لحظات ، وما العمل حتى ينهكه ويلهيه لأكثر من غيره.

         ويظل يبحث و يفكر وكلاهما مشتاق متلهف إلى اللقاء.

 

+ البولس : من الرسالة إلى العبرانيين 10/19-34 : الدخول إلى الأقداس

    قديما كان الدخول إلى الأقداس (الهيكل) أمرا صعبا ويتطلب شروطا عديدة وهناك محاذير وخطوط لا يمكن تجاوزها تمتد من رواق الغنم لتصل إلى قدس الأقداس الذي لا يدخله سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة (في عيد الغفران) ليقدم ذبائح عن الشعب وعن نفسه.

    أما أليوم وبعد ذبيحة المسيح على الصليب التي كفر بها عن جميع خطايا العالم ، فمنذ صار هو الكاهن الأعظم ونضح على قلوبنا بدمه ليطهرنا وغسلنا بالمعمودية فصرنا أبناء الملكوت ،لهذا يتطلب من كل واحد منا:

         التمسك بالرجاء لان من وعد هو أمين

         التمسك بالمحبة والتي تشير إليها الأعمال الصالحة

         التمسك بالصلاة الجماعية والقراءة في الإنجيل

 

تجاوز هذه الوصايا وتدنيس النفس بالخطيئة:

         يستوجب عقابا اشد لأنه احتقار لابن الله

         مخيف جدا الوقوع بين يدي الله الحي

         لي النقمة أنا أجازى يقول الرب

 

* تذكروا الأيام الأولى للاستنارة أيام قبول كلمة الحق والمعمودية وحافظوا على تلك الذكرى وعيشوا على نورها.

    إذا كان لنا ثقة بالدخول إلى قدس الأقداس بدم يسوع ،نحن صرنا كهنة العهد الجديد بدم يسوع  هو الذي صار لنا طريقا جديدا حيا ككاهن أعظم على بيت الله.

    نحن نستمد كهنوتنا من كهنوت هذا الكاهن العظيم وندخل معه قدس الأقداس، فالندخل إذن بقلب صادق ،كمال الإيمان، نقاوة المعمودية والتمسك باعتراف إيماننا.

    شروط الدخول إلى الملكوت : القلب الصادق- الإيمان الكامل- نقاوة الضمير- الاغتسال بماء نقى (ماء المعمودية) ،التمسك بالرجاء المتين، المحبة بعضنا لبعض والأعمال الصالحة.

 

+ الكاثوليكيون  : من رسالة بطرس الأولى  4/ 7-11

    تذكر رسالة هامة الرسل وصخرة الكنيسة المؤمنين بالسهر والصلاة وتركز على المحبة الثابتة لان المحبة تستر خطايا كثيرة.

         كونوا مضيفين : واجب الضيافة

         كونوا بلا تذمر: واجب الصبر والاحتمال

         ليخدم كل واحد من تلقاء نفسه : واجب الخدمة وبذل الذات كل حسب موهبته

         " واعملوا كل شئ من خدمة أو كرازة بالكلمة ،و ليتمجد الله في كل شئ"

 

+ الابركسيس من سفر أعمال الرسل:  9/1-9

رواية اهتداء شاول إلى المسيح ،تأكيد لظهور المسيح بعد قيامته بقوة ومجد وهو يدعو بولس ليكون له إناء مختارا يتقدس من خلاله للمسيح شعب عظيم.

 

+ المزمور135 :

    " اعترفوا للرب لأنه صالح والى الآبد رحمته،اعترفوا للرب الإله فرحمته ثابتة إلى الأبد  "

يدعو المرنم شعب الله ومعه كل الشعوب إلى الاعتراف والسجود أمام الله فلا إله غيره وهذا ينبع ليس فقط من قوته وصلاحه بل من " رحمته"

 

+ الإنجيل من يوحنا : 14/1-11

يعالج إنجيل اليوم مسألة عسيرة جدا لمست حياة التلاميذ ومازالت إلى اليوم تحيى وتعيش في قلب كل إنسان ولا يمر يوم أو ساعة أو موقف لا يضطرب قلب الإنسان فيه،لكن لا يتحدث يسوع في هذا الإنجيل عن اضطراب القلب اليومي فهو أمر طبيعي لكن يركز على اضطراب القلب فيما يخص المصير الابدى. وهنا يريد أن يقدم ضمانة فريدة وحيدة أكيدة لا يستطيع غيره أن يقدمها.

·   لا تضطرب قلوبكم:  حقا قد كان موت المسيح على الصليب حسب المقاييس البشرية  صدمة هائلة شتتت عقول التلاميذ وأفقدتهم رشدهم وأسكنت الاضطراب في قلوبهم .

·   انتم تؤمنون بالله فامنوا بى: ليس هناك دواء للاضطراب سوى الإيمان بالله ،بيسوع بحبه وعطفه وعنايته ووجوده الفاعل في حياة محبيه.

·   في بيت أبى منازل كثيرة: إذ كان الاضطراب خاص بالحياة الأبدية فسلم أمرك ليسوع وهو الذي نزل من هناك . يعرف الطريق ويقودك إلى منزل ألآب.

·   سأتى و أخذكم إلى : إذا كان انطلاق يسوع سيما بالطريقة المحزنة التي مضى بها يثير الشك والاضطراب في قلب تلميذ فوعده يبعث الاطمئنان والسكينة.

·   لسنا نعرف الطريق: يزداد الاضطراب أمام غموض الأحداث فالأمور ملتبسة في أذهان التلاميذ والشكوك تتلاعب بهم .هم الذين خرجوا من بيوتهم وراء يسوع آملين أن يكون هو مخلص إسرائيل ،راؤه مأسورا مضروبا مهانا مصلوبا وميتا فكيف يعرفون الطريق.

·   أنا هو الطريق والحق والحياة: جملة محورية في حياة الرسل وحياة كل مسيحي بل وفى الكرازة المسيحية نفسها. فلم يقدم احد نفسه فقط بهذه الطريقة ،

         الطريق: بلام التعريف تعنى أن كل طريق آخر غيره لا يؤدى مباشرة إلى ألآب.

         الحـــق: من أسماء الله وصفاته ويعنى الصدق الذي لا غش فيه مطلقا.

         الحيـاة:  هي هدف كل كائن ومحور اهتمامه لاسيما الحياة الأبدية.

·   أرنا ألآب وحسبنا: مسالة أخرى تؤرق قلب الإنسان وقلب التلاميذ :هناك شوق ولهفة ،لقد قدم المسيح صورة ألله كآب ، وقدمه كآب مختلفة عن كل الآباء فهو ألآب الحنون "في مثل الابن الضال" وهو ألآب الرحيم وهو الفرح بعودة الخاطئ وهو الباحث عن الخروف الضال وهو المفتش عن الدرهم المفقود وهو الذي جاء للمرضى وذوى الأسقام … أشتاق التلاميذ أن يروه كما نشتاق نحن أن نراه ونسكن معه.

·   من رآني فقد رأى ألآب: يسوع هو تجلى صورة أبيه ، يسوع هو وحى أبيه ،يسوع هو سر أبيه ،نزل وعاش ليتمم إرادته وكانت كلماته ومعجزاته كلها كشف لقلب ألآب وحبه لذلك نستطيع التعرف على الله فقط من خلال صورة ابنه وعلى حبه من خلال تجسده " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد فداء له" .

·   آمنوا بى: تختم قراءة الإنجيل بهذه الآية البسيطة الرافعة " آمنوا بى " ثقوا في اعتمدوا على، توكلوا على كلامي ،لا تضطرب قلوبكم .

 

– الإيمان هو الحل الوحيد لكل أنواع اضطرابات القلب فهو القادر أن يسكن روعنا ويهدئ انفعالاتنا .بالإيمان واجه إباؤنا إبراهيم وإسحق ويعقوب والرسل كل الأهوال وخرجوا منتصرين وبه وحده قهروا الزمان وقوة الموت ومازالوا أحياء إلى اليوم ،بيننا نستشعر وجودهم ونخاطبهم ونصلى معهم.

– الإيمان هو ذلك المفتاح السري الذي به ندخل إلى عرش الله.

– الإيمان هو ذلك العنصر الذي يعطينا الغلبة على كل الاضطرابات.

– الإيمان هو هذا السر الذي تمتلكه الكنيسة وبه غلبت العالم.

– الإيمان هو الكنز الذي يعرف المسيحي أن ينهل منه وقت الشدائد .

ليس الإيمان نزهة في بستان،إنما هو كفاح وجهاد وقدرة على تسليم الذات والاتكال الكامل على الله الذي يهمس في أذاننا " سيكون لكم ضيق في العالم لكن ثقوا أنى قد غلبت العالم.